ولـ «الشعانين» فـي القدس مذاق خاص
الاب رفعت بدر
31-03-2021 11:59 PM
باختلاف كبير عن السنة الماضية، استطاع المقدسيون الأعزاء رعاةً في الكنيسة وشعباً طيباً الاحتفال بأسبوع الآلام، سيراً نحو الفصح المجيد. ففي العام الماضي، كانت شوارع القدس نائحة بسبب الجائحة التي فرضت إغلاقًا طويل الأمد، ومن ضمنه فترة عيد الفصح المجيد. واليوم، ترى الحياة قد دبّت من جديد بعد تمكُّن المشاركين من الحصول على اللقاح على جرعتين، فقد تمكنوا من أداء طقوس الأحد السابق للفصح، أي الشعانين، الذي تدعوه العرب بيوم السباسب. فخرج المقدسيون، وساكنو المدينة المقدسة، كما في يوم دخول السيد المسيح إلى القدس، يحملون سعف النخيل وأغصان الزيتون، مرتدين كماماتهم طبعًا، ليقوموا بالدورة السنويّة التقليدية من بيت فاجي ومروراً من عبر جبل الزيتون وصولاً إلى باب الأسباط حيث تقع كنيسة القديسة حنّة والدة السيدة العذراء.
من يتأمل باللوحة المرسومة يوم الأحد الماضي، يفخر بهذه التعددية الكنسية الراقية، فبطريرك القدس بييرباتيستا بيتسابالا الذي يتواجد في القدس منذ أكثر من عشرين عاماً، يترأس الدورة الاحتفالية لأول مرة كبطريرك معين للمدينة المقدسة منذ كانون الأول الماضي، والرهبان الفرنسيسكان متواجدون من مختلف الجنسيات التي تستقبلها الرهبنة، وكهنة وطلاب الكهنوت أبناء البطريركية اللاتينية، والفعاليات الشبابية ومن أهمها الفرق الكشفية المقدسية التي تُضفي على الاحتفالات رونقاً خاصاً وألحاناً عربية عزيزة على القلب. وطبعاً هنالك العائلات المقدسية، حيث تعذّر وصول الأهالي من خارج القدس، نظراً لأمرين: الأول التعقيدات الأمنية، والثاني الإجراءات الوقائية ضد كورونا. فالساكنون في القدس حصلوا - كما أعلم - على اللقاح بجرعتيه، أما سكان المدن الفلسطينية الأخرى فما زالوا ينتظرون دورهم، وهذا قد خلق تمييزاً عنصرياً جديداً. وهنالك أيضاً العائلات الرهبانية من مختلف الجنسيات والقوانين الرهبانية التي جاءت إلى القدس ووضعت خيمتها فيها وتقدم الخدمة الروحية والثقافيّة والطبية.
المُلفت في الاحتفال كلمتان: الأولى للبطريرك في ختام الدورة الاحتفالية في شوارع القدس التاريخية، حيث قال: «نحن، كنيسة القدس، نحبُّ هذه المدينة التي تتأصل فيها جذور هوّيتنا المسيحية. إنها تمثل لكل واحدٍ منا الرغبة في المصالحة الشاملة، والسلام الذي يريده الله للأسرة البشريّة جمعاء. لهذا نريد أن نصلي ونعمل، ويجب ألّا تثبّط الجراح والانقسامات، التي ما زالت تطبع حياة مدينتنا هذه مع كل أسف، عزائمنا. بل بالعكس، الصعاب الحاضرة يجب أن تدفعنا وتزيد من عزمنا للشهادة لإيماننا». أما الكلمة الثانية فهي للشاب الفلسطيني رافي غطاس، الأمين العام للشبيبة المسيحية في فلسطين، حيث قال: «نسير على خطى السيد المسيح في ذات الطرق التي سلكها، ونشتمّ رائحة عبقه في بلادنا العزيزة، فلنتذكر دائماً أننا الحراس الحقيقيون لهذه المدينة! فلنبقَ هنا ولنرفع أغصان الزيتون التي تذكرنا بجذورنا الصلبة في هذه الأرض».
في الختام، في القلب غصّة، وهي أن الأعياد هذا العام بالتقويمين متباعدة، وكأن التباعد الجسدي قد طالها، وهي فترة شهر كامل بين التقويم الغريغوري (المُسمى بالغربي) والتقويم اليولياني (المُسمى بالشرقي)، والله نسأل أن يُلهم العقول من الحكمة، والقلوب من المحبة، للعمل الصحيح على درب الوحدة الكاملة.
(الرأي)