لماذا هذا التحريض المنظم على وزير الأوقاف؟
د. عبد الله سمارة الزعبي
31-03-2021 09:17 PM
بدايةً وقبل شيء، لا يخفى على متابعٍ لي جملةً من الأمور، أبرزها أنني ووزير الأوقاف الحالي د. محمد الخلايلة لسنا على كبير وفاق، وبلغ الأمر بيننا أن هاجمته عبر مواقع التواصل الإجتماعي في مقاطع مصورة العام الماضي، وقام برفع عدد من القضايا بحقي، اعتقلت على إثر بعضها، وحوكمت باثنتين منها.
بل بلغ الأمر أن توفيت أختي الصغرى الأسبوع الماضي، فلم يعزني بها أحد من وزارة الأوقاف -بما فيهم الوزير-، خلا موظفين إداريين اثنين، حضرا بصفة شخصية، لا رسمية.
إلا أنني وأمام هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الرجل، وبشكل منظمٍ ظاهر التنظيم، لا أملك أن أقف مكتوف الأيدي، مبكم اللسان، وأنا قادر على نصرته؛ لقول عليه وآله الصلاة والسلام: (ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرئًا مسلمًا في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبُّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نُصرته).
فأقول مستعينًا بالله، ومتوكلًا عليه:
كنت أول من أشار لوجوب تنظيم الصلوات في المساجد، وتعقيمها، وأخذ السجادات من أجل الصلاة عليها، وذلك قبل أن تتخذ أي جهة رسمية في العالم الإسلامي قرارًا بالخصوص، وهو موثق بمقطع مصور بداية آذار من العام 2020.
ومن ثم بعد ذلك بأسابيع خلصت وزارة الأوقاف إلى ضرورة تطبيق ما ورد في المقطع، وزيادة.
وعلى الرغم من التخبط في كيفية التطبيق؛ تبعًا لعدم ادراك طبيعة الفيروس المستجد، إلا أن مجمل الإجراءات التي اتخذتها الوزارة كانت صائبة، خصوصًا ما يتعلق منها بارتداء الكمامات، وتواجد المعقمات، وإغلاق المتوضآت، والإلزام بالتباعد.
إلا أن إعلام الوزارة فشل فشلًا ذريعًا في استمرارية الدفاع عن تلك الإجراءات، ولم يكن يملك روح المبادرة، أو تكتيكات الهجمات الإستباقية التي يمارسها عليه الآخرون، أو مهارات المناورة في التعاطي مع الجماهير، حيال أي هجمة إعلامية منظمة تجاه تلك الإجراءات.
ومع استمرار الوزارة في النهج التقليدي للتعاطي مع ردود الفعل المجتمعية، برعت أطراف منظمة في أساليب العبث بعواطف الناس، واستغلال الأحداث، والأفعال، والتصرفات، وبعض القرارات المتخبطة، من أجل التحريض على القرارات التنظيمية.
كان أبرز تلك الحملات، الحملات الإخوانية-السلفية، والتي التقى فيها الطرفان على مائدة المساجد، حتى جعلوها أهم من أرواح الناس، وصحتهم.
فعلى الرغم من أن عددًا لا بأس به من مساجد المملكة، ومرافقها، كانت بؤرًا لانتشار فيروس كورونا، وحصول عدد من الوفيات، إلا أن وزارة الأوقاف دأبت على انكار هذه المسألة، أو التعتيم الإعلامي عليها، بناء على إشارة بعض المتزمتين، بضرورة عدم اظهار قصور بيوت الله عن حماية مرتاديها، وحتى لا يستخدم الأمر للتشكيك في الإسلام، ولم تعِ الوزارة جسامة هذا الفعل، حتى انقلب الأمر عليها، بانكار الناس لتناقل الفيروس بين المصلين!
مر العام الأول بهذا الأخذ والرد، وبقوة وزارية في فرض المصلحة في مرحلة، واستجابةٍ تحت وطأة ضغط الشارع بفتح المساجد ومن ثم مرافقها في مرحلة لاحقة، شُفعت بضوابط ما لبثت أن تلاشت بعد أيام.
جمعة واحدة أو جمعتين، تلك التي انضبط فيها المصلون بارتداء الكمامات، وبالتباعد؛ لوجود رجال أمن على بوابات المساجد في صلاة الجمعة.
أما سجادات الصلاة، فلا تجد أكثر الناس بها مؤمنين، وقد تنقلت في عدد من مساجد العاصمة الكبرى، وكذا مساجد محافظتي إربد، وجرش، فلم أجد مسجدًا واحدًا منضبطًا انضباطًا تامًا بذلك.
لا لقصور الأئمة، ولا لتقصير الوزارة، بل لعدم مقدرة الوزارة على إلزام الناس بذلك، فهي سلطة دينية توجيهية إرشادية، لا سلطة إلزام وانفاذ للقانون، وقد أفقدتها الحملات المنظمة ثقة الناس بالتوجيه والإرشاد.
أمام كل ذلك، تطور الوضع الوبائي في المملكة أضعاف أضعاف ما كان عليه العام الماضي، وغدونا نودع في اليوم الواحد زهاء مائة نفس، مائة نفس، قال في إحداها جدي رسول الله -عليه وآله الصلاة والسلام- وهو يطوف بالكعبة: (ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه) !.
وفي ظل الوضع الوبائي الحالي وتداعياته، قررت الوزارة تبعًا للقرار الحكومي المتعلق بالحظر الجزئي، تعليق صلاة التراويح، وصلاة الجمعة، وبعض صلوات الجماعة، فانبرت حملة منظمة أرقُبُها بعين التربّص منذ بروزها بقطاعات مختلفة، برعت في تجييش الرأي العام، وتوجيهه، عبر شباب حزبيين، ومختصي علوم شرعية في مواقع التواصل الإجتماعي، ليس آخرها رسالة رابطة علماء الأردن لوزير الأوقاف، والتي تم تسريبها لوسائل الإعلام بغاية احراج الوزير والوزارة.
بل جنح بعضهم إلى استخدام ذات المساجد لإعطاء دروس تحريضية، ومداعبة مشاعر الناس الدينية، واظهار القائمين على الأمور الشرعية في الأردن بمظهر المحادّ لله ولرسوله، المحارب لدينه وشريعته !
والحقيقة أن بعض هؤلاء المنظمين أصابهم نوع من الاضطراب النفسي، والسلوكي، جراء فقدانهم لمريديهم في المساجد، فلا هم استطاعوا التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولا وزارة الأوقاف أعادت لهم الدروس عبر المساجد، فَجُلُّ غايتهم عودة منابرهم، وحشودهم، ودروسهم، التي كانوا يمارسون من خلالها "دروشتهم"، ويبثون عبرها "هبلهم"، بغض النظر عن تداعيات عودتهم لهذه المنابر، ولتلك الدروس.
وزبدة الكلام: لسنا مع إغلاق المساجد، ولسنا مع عودتها والحالة هذه.
كنا -وما زلنا- مع ضبط المساجد، لكن ضبطها -في ظل عدم التزام الناس- يحتاج إلى نحو 5000 آلاف رجل أمن على أقل تقدير؛ فالمساجد ليست معصومة من نقل المرض، وأهلها بشرٌ كما البشر، فيهم المنضبط، وأكثرهم لا يأبهون.
والله -جل وعلا- عندما وضع سننه الكونية، أمرنا بوقاية أنفسنا، واتخاذ تدابير الحماية، التي وضع لبنتها الأساس، في شرعنا المطهر، سيدنا محمد -عليه وآله الصلاة والسلام-، وطبقها فقهاء الصحابة كابن عباس وابن عمر، رغم اعتراض بعض غير المتخصصين -من معاصريهم- عليهم، فلم يكن ذلك عاملًا في تراجعهم عمّا رأوه الحق والصواب، والأصلح والأنفع للبلاد والعباد.
فبسندي إلى نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهما- فيما رواه الشيخان: "أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ : " أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ ، أَوِ المَطِيرَةِ ، فِي السَّفَرِ".
وبسندي إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- في الحديث المتفق على صحته: "أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : "إِذَا قُلْتَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، فَلَا تَقُلْ :حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ " قَالَ : فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ ،فَقَالَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا ؟! قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني سيدنا رسول الله -عليه وآله الصلاة والسلام-)، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ ، فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ.
فإذا كان فقهاء الصحابة، قد كرهوا أن يحرجوا الناس لأداء صلاة الجمعة والجماعة بسبب "الطين"، أو البرد، أو المطر، مع مقدرة الإنسان على تنظيف بدنه، وثوبه منه، وإمكان التحرز عنه، فكيف بنا والوباء لا يملك أحدنا إذا أصيب به أن يدفع عنه ضرره؟!
كيف بنا، واحتمال فناء النفس واقع، ومشاهد؟!
كيف بنا، وليس منا إلا وفقد حبيبًا أو صديقًا أو قريبًا؟!
إن الفرق بين الفقيه الحق، وعبيد الشهرة، وطالبي الحظوة بين الناس، هو انزال حكم الله في المسألة بغض النظر عن موافقة هوا البشر من عدمه.
فورثة الأنبياء أسوتهم في ذلك رسلهم، ولا تعنيهم آراء الناس -كثرة وقلة-، وعليه، فإنني أدعو معالي الوزير لشمول بقية الصلوات بقرار المنع؛ لاتحاد العلة في ذلك، وإغلاق الباب على كل مصطادٍ عابثٍ بصحة الناس وحياتهم.
سائلين الله -عز وجل- أن يفقهنا في ديننا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.