لم تكن يوما المشكلة بنقص الكوادر بالقطاع الحكومي ولم تكن كذلك بالبنية التحتية، بل بالاهمال وعدم تحمل المسؤولية، مما خلق أزمات متواصلة في القطاع العام، لن تكون اخرها كارثة مستشفى السلط الحكومي التي راح ضحيتها أبرياء لا حول ولا قوة لهم الا بسبب انهم رقدوا على اسرة الشفاء في مؤسسة حكومية يشكل اغلب الموظفون فيها عبئا ماديا على موازنة الدولة دون حسيب او رقيب.
من يقرأ نتائج التحقيق بحادثة السلط يستنتج فورا أن الاستهتار هو سيد الموقف في المستشفى ابتداء من اداء ابسط موظف الى من هم اعلى رتبة منه بالمسؤولية ، والذين تهاونوا جميعا بأرواح المرضى وآلامهم بالرغم من توفر كل الأدوات و الوسائل لإنقاذهم ، الا انهم لم يكترثوا لهذه المسؤولية و تخلوا عن واجبهم المقدس.
للانصاف ، يظهر التحقيق أن وزارة الصحة لم تتوان عن تقديم كل ما يحتاجه المستشفى من كوادر و معدات طبية ،فالكادر الطبي للمستشفى مكون من 330 طبيبا و 450 ممرضا ، أما الذين كانوا على رأس عملهم في اليوم المشؤوم هم 7 اطباء و 18 ممرضا فقط بالرغم من ان نسبة اشغال اسرّة المستشفى وصلت الى 50% من سعتها ، علما ان بعض الأطباء المناوبين ليسوا مختصين بعلاج الامراض الصدرية ، كما زودت وزارة الصحة المستشفى بخزان أكسجين إضافي مع بدء الجائحة ، وعينت مهندسا مختصا بالمعدات الطبية لمراقبة مخزون الأكسجين ، لكن كل هذه الجهود ضاعت هباء مع ضعف المتابعة وسوء التنسيق للأسف !.
13 مسؤولا اوكلت اليهم مهمة تفقد ومتابعة توفير الأكسجين للمرضى و ابوا الا ان يستهتروا بأنفاس الأردنيين ابتداء من مدير مديرية الشؤون الصحية للمحافظة و ومدير المستشفى الذي اسند مهمة متابعة طلبات تزويد الغاز الى ممرض قانوني غير مختص كما وافق ايضا على عدم تواجد مناوب اداري متفرغ للمستشفى في الفترة الليلية واستثناء يوم الجمعة من جدول الرقابة للمهندسين المختصين مما افقد الفرصة للتحذير قبل الحادثة بيوم علما ان المستشفى يحتوي على 64 اسطوانة اكسجين تم تعبئة 34 اسطوانة منها فقط قبل الحادثة بعشرة ايام بالرغم من زيادة الاستهلاك والحاجة للأكسجين.
يكشف التحقيق ايضا ان تفعيل نظام الاحتياطي للأكسجين يتم يدويا عوضا عن التشغيل الأتوماتيكي وكان الموظف المسؤول عن هذا الامرغير متواجد اثناء الحادثة ولا يوجد بديلا عنه بالعمل وحضر بعد ساعة من ابلاغه بانقطاع الاكسجين.
المتمعن في هذه التفاصيل لا يسعه الا ان يتأكد ان عوامل فشل الادارة والتفريط بالأمانة المهنية وانعدام التنسيق قادت الى 158 دقيقة قاتلة خنفت أرواح مرضى
عاجزين وحرقت قلوبنا جميعا.
ما جرى من ترهل بمستشفى السلط صورة مصغرة لما يحدث بمعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية بأردننا الحبيب الذي يمتلك الكثير من الموارد والكفاءات لكنه يختنق من الفساد والاستهتار.
نحتاج فورا الى ثورة إدارية! ثورة إدارية ليست على منصات الخطابات السياسية، بل في عمق المؤسسات العامة وذلك لإفهام موظفي القطاع العام واجباتهم ومسؤولياتهم وكشف بواطن الخلل في أدائهم وترشيق كوادرهم وإلغاء حالة الجزر المعزولة التي تسود بينهم.
نحن بأمس الحاجة اليوم الى خطاب أخلاقي موجه الى القطاع العام يحرك الضمائر التي قتلها الروتين الحكومي ويذكر ان العمل عبادة وان الوظيفة الرسمية ليست مجرد ختم دخول وخروج !
دفع الدكتور نذير عبيدات ثمن الكارثة بتقديم استقالته ، وهو الطبيب المهني ذو السمعة العطرة ، وتحمل المسؤولية الأخلاقية عن حادثة لم يكن مسؤولا عنها بشكل مباشر ، ولان الشيء بالشيء يذكر يجب التذكير هنا ان اختيار وزير كفؤ ليس بالضرورة كافيا ليستقيم العمل العام ، بل يجب إعادة النظر باليات التعيين في كل الدوائر الحكومية والتوقف عن تكديس الموظفين غير المؤهلين .
لن ينسى الأردنيون هذه الكارثة وهم ينتظرون ان يأخذ القضاء مجراه بمحاسبة قتلة الأبرياء ، بالتقصير والاهمال ، ليكونوا عبرة لمن اعتبر .