من بين المطالب الشعبية التي ينادي بها المحتجون على كل الوضع الراهن: حكومات منتخبة.
هذا مطلب منطقي، لكن كيف يمكن لنا ان نتخيل تنفيذه؟
يصبح الامر خارج المنطق كله لو تخيلنا الامر يحصل بين يوم وليلة.
حكومة منتخبة.. معناه انت بحاجة الى قانون ينظم الانتخابات، ويكون مظلة لتعليمات ترتب الاليات في كل العملية الانتخابية. هذا القانون يجب ان يكون دستوريا، يعني محتواه لا يخالف الدستور وكذلك عملية تشريعه تكون ضمن المراحل الدستورية.
اذن.. نحن امام سيناريو لمشروع قانون ليتم عرضه على البرلمان.. بغرفتيه: النواب والاعيان.
مشروع القانون هذا، في محتواه صورة واضحة للعملية الانتخابية، يعني دولة الرئيس المنتخب مثلا، على اي اساس يتم ترشيحه وما هي معايير مرشح الرئاسة: شخصية مباشرة، ام حزبية مثلا؟
في الاردن، الحديث دوما عن احزاب ( ضمن منظومة مجتمع غالبية نصفها الشرقي تلجأ للقبيلة و غالبية نصفها الغربي تعتصم بحق العودة تحت رخامة بيت ملك مكتوب عليها هذا من فضل ربي).
طيب.. نفترض حكومة حزبية! يعني قانون ينظم الاحزاب ولكي يكون قانونا حقيقيا فهو يفترض ان رسالة الملك الاخيرة لمدير المخابرات تصبح تشريعا ملزما لكل الجهاز بعدم تجاوز حدود عمله الوظيفي في الحفاظ على الامن بدون توسع و فذلكات.
قانون ينظم الاحزاب.. يعني تشريع، سيناقشه نواب المجلس، و يدلي اندريه مثلا برأيه المايع لكن سيتمسك فيه بالبيعة والولاء للقيادة الحكيمة.. وهو ما سيثير غضب النائب العجرمي مثلا الذي سيهاجم اندريه كمتطفل و يختم بايمانه برؤية القيادة الحكيمة والحصيفة.
كل هذا ضمن مطلب منطقي.. ولم انكر المنطق فيه لكن لا ارى واقعيته في سياق وعي مجتمعي مزور وممسوخ لا يزال محكوما لفوضى الغوغاء والتي يمكن تلمسها في اي قضية مطروحة في الفضاء الالكتروني الرحب.
هناك من يريدها بالغصب دولة اسلامية يلغى بها الدستور الحالي ويدفع فيها ابن الحجازين مثلا الجزية.. بل ويرى في العلمانية كفرا يسنلزم حكم الردة بالقتل، وهؤلاء لهم جمعياتهم القانونية المرخصة. ( المرأة حقوقها مصانة طبعا في مساحة تمتد بين المطبخ وغرفة النوم).
هناك من يريدها شرقية لا غربية، ومكونها الوحيد ابن حراث او ابن راعي ومؤمن بإدارات المشيخة القبلية والقضاء العشائري.
هناك ايضا.. الاخبث ممن يريدها الحل الاسهل للقضية، كوطن فلسطيني بديل دون اي عودة لجغرافيا الضفة الغربية.
وهناك من لا يريد الا الاقامة الفندقية لعل تأشيرة سفر تنقذه من كل ذلك بحثا عن حد ادنى من عيش و كرامة.
اعتقد..
ان المطلب المنطقي والواقعي معا، هو المطالبة بدولة مؤسسات وقانون... بمعنى ادق: عودة واستعادة دولة المؤسسات والقانون واعادة تأهيل الوعي الى مرحلة على الاقل يصل بها الى رفض افساده ومسخه من جديد.
حينها.. وقتها، عندها يصبح الطلب المنطقي بحكومات منتخبة طلبا واقعيا جدا.
هذا اجتهاد رأي.. من خارج الصندوق.