لم يكن الكفاح في معارك الوباء، أول النازلات في جسد الأمة الناحل. ثمة جبهات قتال أخرى تفتك به، مفتوحة على صراعات الناس ضد الفساد والجهل.
المؤلم والمدهش، أننا نمشي في ظل القمر وقد بال الضبع على الجبهات، نهرول دون وعي في المتاهات المصطنعة، ونقبل الحياة بأثمان كبيرة، وبينما يخطط العالم الأسود لمستقبل الامة كلها، ما زال حوارنا الحامي هو هل كانت كورونا مؤامرة أم وباء.
ماذا تفعل النخب في العالم العربي ؟ أليس من واجبها طرح كتابة المذكرات جانبا وإفساح رؤية الحدقات واتساعها لترى الأمواج من حولنا تحيق بنا وتحدق؟ أليس من المنطق أن لا نهب قيادة الولايات المتحدة الجديدة الثقة كاملة، وفي تاريخ الديمقراطيين من الدم والدماء ما فيه؟ ماذا ينبغي علينا أن نفعل. الأمر ليس بسيطا إلى حد كبير.
ثمة تحالفات جديدة يعاد تدويرها وإحكام ارتباطها بالكيان الإسرائيلي. ذاك هدف السياسة الأمريكية، وبالطبع فإن أوروبا وحتى المعسكر الشرقي، لا يمكنها سوى الدخول في السياق. إنها تفاصيل المشروع الاستعماري الاستثنائي.
هنا في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي سائر البلاد العربية، مهم جدا إلقاء نظرات فاحصة على تطورات الإقليم، نظرات توازن وسط هذا الطوفان، تعي أن ثمة أهداف سيئة النوايا في استنزاف الإقتصاد لفرض شروط السياسة، والتقاط الإشارات التي بدأت بإحراق مرفأ بيروت ولن تنتهي بإخراج قناة السويس عن العمل بحادث يقال أنه عرضي، والاهداف أمامهم كثيرة ومتاحة، في إنهاك الإقتصاد وارتفاع الأسعار، وارتفاع نسب البطاله، والذريعة جاهزة، اضطراب سلاسل التوريد، والخوف من تفشي الوباء، وتعبئة اللقاحات في وعاء سياسي وتجاري بحت، وغير ذلك من الوسائل التي تبدو مشروعة ومباحة.
هنا في المملكة، ينبغي انتظام هذه النظرات وفق خارطة الطريق الديمقراطية. يؤكد جلالة الملك على أن الديمقراطية هي طريق التنمية القويم. قال للنواب قبل بضعة أيام، أنه ينبغي المضي في مراجعة التشريعات الضرورية، وأبرزها قوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية. هذه مفاتيح الولوج والخروج.
هل بإمكان العرب الخروج من قمقم الجهل والتراجع والاستهلاك؟ نعم، لكنهم بحاجة لبذل المزيد من الإجتهاد؛ تغيير صفة استعمال التاريخ ليكون رافعة للحضارة، المناورة الذكية في الحفاظ على التوازنات، الخروج من أسر النازلات المفتعلة ومن فوضى تفاصيل الحياة، والتفرّغ لمجابهة المشروع الاستعماري الحديث، بالإتكاء على الماضي التليد والمستقبل المحكوم بالقوة والمعرفة.