الإصلاح في الأردن يمر عبر مؤسسات الدولة وبإرادتها ومن يظن غير ذلك واهم دون شك.
قبل أحداث نيسان 1989 كان الملك حسين رحمه الله يخطط لإجراء انتخابات نيابية، واستعد لذلك بتعديل قانون الانتخاب قبل الاحتجاجات بفترة. ماحصل في نيسان من ذلك العام مهد الأرضية لانطلاق العملية، بقيادة الملك شخصيا وكان ما كان من تحولات في الحياة البرلمانية والحزبية.
مخرجات التحول الديمقراطي لم تشذ عن القواعد الثابتة التي تحكم الدولة الأردنية، حتى على المستوى الاقتصادي، فبالتزامن مع عودة الحياة البرلمانية ودخول أحزاب المعارضة للبرلمان وإقرار الميثاق الوطني، تبنى الأردن أول برنامج للتصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وأقر في وقت لاحق استراتيجية الخصخصة لبعض قطاعاته، وأبرم اتفاق سلام مع إسرائيل بوجود برلمان يحظى فيه الإسلاميون بحضور وازن.
في ظروف دولية وإقليمية أخطر من”هبة نيسان” كانت الدولة بقيادة الملك عبدالله الثاني هي ضابط الإيقاع لتحولات الربيع العربي، وما حملته من تحديات ومخاطر.
استجاب الملك للحظة الفارقة بخطوات مدروسة فشكل لجنة ملكية لتعديل الدستور، ولجنة للحوار الوطني وضعت أسس التعديلات اللاحقة للقوانين الناظمة للحياة الحزبية والبرلمانية.
الشعارات والحراكات التي تجاوزت سقف الدولة تلاشت وانكسرت، والتيار العام في الشارع الأردني انخرط في العملية السياسية دون تردد. كان يمكن البناء على مخرجات تلك المرحلة، لكن قوى داخل الدولة وخارجها من أطراف المعارضة أفسدت الحفلة، وضيعت علينا فرصا محققة.
يمكن التعويض عن تلك الخسائر، لكن بإرادة الدولة لا على حسابها ومن خارجها.
صحيح أن تيارا واسعا من الأردنيين يشعر بالإحباط جراء تداعيات أزمة كورونا التي ألقت بظلال ثقيلة على حياة المواطنين، لكن ذلك ليس استثناء أردنيا، بل حالة عامة تعاني منها مجتمعات عالمية كثيرة ضربتها الجائحة في لقمة عيشها واقتصادها وخلفت عشرات الملايين من العاطلين عن العمل.
كان الاعتقاد لدى البعض، هنا في الداخل، وفي الخارج، أن بالإمكان توظيف حالة الاحباط الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية. لم يكن هذا التقدير موفقا، حتى قبل التحريض على إحياء ذكرى 24 آذار.
الكتلة الاجتماعية العريضة من الأردنيين ليست معنية أبدا بالشعارات السياسية التي رفعها البعض. ثمة إدراك بأن الهموم المعيشية المتراكمة تحتاج لمعالجات عملية وليس سياسية، أقلها في هذه المرحلة الحرجة من المواجهة مع الوباء.
هناك حاجة دون شك لإصلاحات سياسية وتطوير لأدوات ممارسة العمل البرلماني والحزبي وتدوير السلطة، وإنقاذ النخبة السياسية المنهارة في الأردن، وإعادة الاعتبار لمفاهيم المواطنة والمساواة وسيادة القانون، والاصلاح الإداري وغيرها من العناوين المهمة، لكن الملك عبدالله الثاني كان قد سبق الجميع بتبنيها بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، ومد يده للجميع من أجل العمل لتحقيقها.
لم نكن بحاجة لتحريك الشارع للمطالبة بإصلاحات وضعها الملك أصلا على جدول أعمال الدولة، ودفع بحكومته للسير في تطبيقها. والمثير للريبة حقا أن بعض من رفعوا هذه الشعارات كما لو أنها مطالب ثورية، استهدفوا الملك والملكية في حملاتهم، وكأن مؤسسة العرش هي من تعيق الاصلاح، بينما الحقيقة أن نخبا في المعارضة والموالاة تتمسك بمفاهيم عقائدية وسرديات مضى عليها الزمن لفرض شروط التغيير خارج سياق العصر والحداثة، وتدافع عن مصالحها الضيقة ومكتسباتها الخاصة.
بعض ما سمعناه من شعارات خلال الأيام الماضية كان يعني دفع الأردن إلى الفوضى والاقتتال الداخلي. باختصار يريد البعض فرط مؤسسات الدولة وإعادة تشكيلها وفق هواه. التجارب من حولنا تعطينا بالدليل الحي والمعمد بالدماء مصير الدول والمجتمعات التي اختارت هذا الطريق وإلى ما انتهت إليه.
الاصلاح في الأردن بقيادة الدولة، وسوى ذلك فوضى لا نهاية لها. حان لنا أن نتعلم الدرس.
الغد