كانت نتيجة ما سُمي بالربيع العربي الذي عصف بدنيا العرب شعوباً ودولاً وحكاماً ابتداءً من أواخر العام 2010 إحداث تغيير في هرم السلطة في عدد محدود من الدول العربية، فقد غادر القصور الرئاسية زعماء سئمتهم شعوبهم وحل محلهم زعماء بعضهم صناعة خارجية وآخرون جاءوا على عجل، ما جعل الصورة أسوأ مما كانت عليه في السابق.
دول أخرى اسعفتها فطنة قادتها ووعي نُخبها عدَّلت بسرعة أسلوب الحُكم بمنح الشعوب بعض حرية، وشيئاً من المشاركة في القرار إلى أن مرت العاصفة، ثم بعد ذلك تم التراجع عن معظم الخطوات الاصلاحية..
كان الفساد ونهب الأموال العامة وغياب العدالة جدول الاعمال المشترك في كل ساحات وميادين الغضب العربي، وبعد أن هدأت الشوارع وغادر رؤساء خلعاً او قتلاً، ظهرت الحقائق عارية، بشعة دون تجميل، محبطة محطمة لأي أمل بتحقيق ولو جزء بسيط من الأهداف التي مزقت الحناجر أيام ذروة الربيع.
تفاصيل الوضع العربي بعد الربيع معروفة ومكشوفة للشعوب سواء التي كتب الله لها السلامة والنجاة أو تلك التي دفعت وتدفع الثمن يومياً ليس فقط من حريتها التي نسيتها ولا من العدالة التي ما عادت تحلم بها مجرد حلم، لان حلما واحدا يتسلل في يقظة ونوم ابنائها كل يوم، هو حلم البقاء على قيد الحياة، فقد باتوا محاصرين بالموت اما جوعا او مرضا او قتلا، واخيرا اضاف الوباء عدواً جديداً لقائمة اعدائهم.
ما بين زوال هم، وحلول هم أكبر منه، يتساءل العربي المقهور كمن يفتش في الدفاتر القديمة املاً بالعثور على ما ينقذه مما هو فيه، أين أموال الزعماء الراحلين الذين اودعوها في الخارج؟ ولماذا لا تطالب الحكومات الجديدة باسترداد هذه الاموال من الدول والبنوك الخارجية؟.
الشعوب على بساطتها لا تملك سوى المطالبة، لأنها تدرك بالاحساس والخبرة، ان ما ذهب لا يعود وان الدول التي لديها المال تحكمها أنظمة افسد من الانظمة العربية التي نهب رؤساؤها المال، لذلك تمتنع عن اعادته لأنه مسروق، وبالتالي تعتبر انها احق به من اصحابه، تطبيقاً لمبدأ اللصوص الذين يبيحون لأنفسهم سرقة بعضهم طالما أن المال في الأصل ليس من تعب أي واحد منهم.
مليارات القذافي وبن علي ومبارك والبشير وعلي عبدالله صالح اصبحت مثلهم اثراً بعد عين، فلم تعد القوانين المصرفية الضامنة للسرية والحقوق سائدة، كما في السابق، فقد حلت محلها قوانين البلطجة الدولية التي لا تقيم وزناً للقيم والمبادئ، ولا تهتم إلا بالاستيلاء على مقدرات الشعوب.
آن للدول الصغيرة التي تدور في فلك دول أكبر منها أن تعرف ان الاستعمار لم يتغير لكنه غيَّر أساليبه وطوَّرها لتواكب تطور الزمن، لذلك يتوجب عليها اما التوقف عن الدوران العبثي حول غيرها او تنظيم عملية الدوران بتغيير الاتجاه درءاً لشرور ومضار بعض اللفات المُهلكة.
آن للعرب ان يعرفوا ان الدول الكبرى تقرضنا من مالنا وتتحكم بنا بقوة مالنا، ولا مبرر للاستمرار بالرضوخ لشروطها، التي لا نحتاج للتحرر منها ومن هيمنتها سوى قول كلمة واحدة تعرفها ونعرفها وبعد ذلك تبدأ عملية استعادة العرب للاستقلال والكرامة والسيادة وهي مُثْلٌ اسمى من المال وأغلى من العيال.
(الرأي)