الحوار الوطني والقوانين الناظمة للحياة السياسية
د. زياد العياصرة
28-03-2021 11:49 AM
يُعتبر الاعلان الذي اطلقه مؤخرا رئيس مجلس النواب المحامي عبدالمنعم العودات والذي تضمّن مشروعا لاطلاق حوار وطني جامع مع مؤسسات المجتمع الاردني، وتزامن هذا ايضا مع ما تنادت به النخبة المثقفة في الاردن من اجل الخروج برؤى شاملة وواضحة حول قانون الانتخاب والاحزاب السياسية، وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها وطننا ويواجه فيها تحديات كبيرة، انما هو نهج واستمرار لما تكرّسه الرؤى الملكية السامية التي اطلقها ونادى بها جلالة الملك في اكثر من مناسبة والتي تتمثل بتطوير التشريعات الناظمة للحياة السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الاحزاب السياسية والادارة المحلية من اجل تحديث وتطوير الدولة الاردنية، وهذا لا يتأتى الا بتوافق وطني شامل حول ما هو المطلوب منا جميعا في المرحلة القادمة وهو التوافق الذي يخدم الوطن والمواطن.
يأتي هذا المشروع المُتمثل بالحوار الوطني الشامل مع انطلاقة المئوية الثانية من عمر الدولة الاردنية، والتي حقق فيها الاردن بقيادته الهاشمية الفذة بناء الدولة الاردنية الحديثة بهويتها الوطنية ومؤسساتها الدستورية التي تُعتبر الحجر الاساس في ارساء قواعد الوحدة الوطنية والتصدي لكل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الوطن. والحقيقة التي ينبغي ان تقال في هذا المقام ان جلالة الملك حفظه الله كان ولا زال من المبادرين المتحمسين للخوض في عمليات وتغييرات جذرية على محاور عديدة على الساحة الوطنية الاردنية.
ان الحوار الوطني الاردني بات حاجة ملحة في هذه المرحلة من اجل صياغة المفاهيم والاسس التي تحكم وتتحكم بالحياة السياسية الاردنية وهذا جنبا الى جنب جاء متناغما مع ذلك الايقاع الذي نشهده على الساحة من تطورات اقليمية ودولية متسارعة.
لذا فان الحاجة الى الحوار الوطني أتت لتبادل الآراء حول اهم القضايا الجوهرية التي تهم الوطن والمواطن، والتي تتعلق بالاصلاحات الداخلية والشأن الاردني الداخلي، هذا الحوار الذي ينبغي ان ينطلق بعيدا عن حالة الجدل السياسي، والتسويق الاعلامي الذي ينتهجه البعض لاطراف معينة، بل إنّه من المهم ان تتلاقى الافكار باتجاه تحقيق هدف مشترك قد لا تتفق فيه الاطراف المتحاورة مع الاسس المبدئية التي انطلقت منها، سيما ان الاطراف المشتركة في الحوار ايا كانت مطلوب منها ان لا تتمترس حول مواقف مسبقة من اي موضوع، بل إن المطلوب الآن التخطيط وبمنهج علمي لهذا الحوار الذي يبدأ اولا بتحديد اجندة الحوار بمواضيع وعناوين رئيسية حتى تصل هذه العناوين والموضوعات الى حوار يتّخذ صيغة وطنية عامة، نأخذ فيه الوقت الكافي والبحث لتكون النتائج والمخرجات كما يريد سيد البلاد.
وفي هذا السياق، وحيث ان مجلس النواب سوف يقود هذا الحوار الوطني من خلال استضافة كافة الاحزاب السياسية وقادة الرأي للاستماع الى آرائهم من اجل الوصول الى تصورات مشتركة، ينبغي هنا وحتى تُؤتي هذه الحوارات اكلها ان لا تكون مقصورة على الواجهات المرئية من الفعاليات الحزبية والنقابية التي تتصدّر الواجهة، ولا حتى الكتل النيابية رغم انها من افرازات شعبية، ولا اظن ان هذا سوف يغيب عن ذهن الرئيس الشاب للمجلس، لان في هذا الوطن طاقات شبابية واكاديميين، وشخصيات اجتماعية وسياسية ونخبة مثقفة غير موجودة على تلك الاطر والواجهات المرئية المذكورة، لكنها في ذات الوقت تعدّ من اصحاب الفكر والرأي والمشورة التي يُعتد برأيها، وقد يكون لها اسهام فعال في انضاج وانجاح الحوار الوطني المطلوب، سيما اذا عرفنا ان كثيرا من هذه الفئات والواجهات التي ذكرناها والتي دوما تتصدر المشهد والعمل العام كثيرا منها لا يرى فيها الشعب الاردني انها تمثله وتعكس همومه وطموحه، لذا ينبغي اشراك كل قطاعات الشعب الاردني في هذا الحوار الوطني المأمول اذا اردنا ان يكون حوارا وطنيا اردنيا نبني فيه جميع جبهاتنا الاردنية الداخلية.
لقد شهد الاردن خلال الاعوام الماضية عددا من المتغيرات والقوانين التي تمثلت بتعديلات دستورية وقانون انتخاب جديد كان يُؤمل منه ان يفتح الباب امام تشكيل حكومات نيابية ديمقراطية وعلى الرغم من حداثة التجربة الاردنية في هذا الباب ارى ومن وجهة نظري الشخصية ان يتم ومن خلال الحوار الوطني الشامل اعادة صياغة لجميع القوانين الناظمة للحياة السياسية الاردنية بحيث تواكب هذه القوانين متطلبات العصر ومتغيراته وتلبي الى جانب ذلك ايضا آمال وتطلعات الاردنيين.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان المتغيرات والتطورات التي يشهدها العالم من حولنا ونحن جزء منه لن تنتظرنا ان لم نتقدم للامام، لهذا فالوقت قد حان ان نعي جميعا في هذا الوطن الكبير اهمية الالتفاف حول الثوابت الوطنية الاردنية التي يقودها جلالة الملك، وهذه الثوابت بصيغتها التحديثية تهدف الى اعادة هيكلة المفاهيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما يتناسب مع ديننا الحنيف ومستلزمات العصر ومتطلبات المستقبل والتي باتت اكثر من ملحة، وهذا على العموم يتطلب منا توافقا وطنيا يضمن لنا مواجهة التحديات الراهنة، وهذا لا يتأتّى الا من خلال حوار وطني شمولي يتعرف فيه كل مواطن اردني على دوره في المسيرة الاردنية، نحو التطور والنهوض والبناء، سيما وقد قال جلالة الملك وفي اكثر من مناسبة " لا يوجد مرحلة نهائية سيتوقف معها سعينا نحو الاصلاح الذي هو عملية مفتوحة للتطوير والتحسين المستمرين تلبية لطموح الشعب الاردني".
واحترامًا للإنصاف والموضوعية، لعلّ من المطلوب، قبيل اختتام هذا المقال، تأكيد الدور المتعاظم للزّخم الأردني؛ الرسميًّ، والشعبي، المستمر والملموس؛ لإحداث نقلة نوعية في مسيرة الإصلاح الشامل في المملكة. وهناك بالفعل تطلّع يلقى مزيدًا من الإجماع الوطني المتزامن؛ لتعميق رؤى جلالة الملك. فجلالة الملك يدعم بوضوح الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، ويدعوها للتكتّل حول برامج سياسية واجتماعية-اقتصادية، محورها التلاقي الفكري، والرؤيا المشتركة المتجانسة في الأساسيات، بما يلاقي تطلّعات أوسع قطاعات الشعب الأردني، ومن أجل بناء الدولة الأردنية المعاصرة المنشودة.