في القرى والبلدات الاردنية يمكن ان تجالس احد كبار السن فيحدثك عن خبراته الطفولية ويذكر لك عشرات الاسماء لإخوة وأخوات واقارب له وعندما تسأل أين هم يجيبك بأن غالبيتهم قد توفي قبل ان يتم الخامسة من العمر والبعض الآخر اثناء الولادة في حين قضى من تجاوز هذه الاعمار بأمراض الحصبة والملاريا والجدري والشلل والدفتيريا وغيرها من الامراض التي كانت تجتاح مجتمعات الفقر والجوع فتحصد الارواح بلا رحمة أو هوادة.
لتلافي فتك الجوائح وعيون الحاسدين كان الناس يختارون لأبنائهم وبناتهم اسماء رحمانية مشتقة من اسماء الله الحسنى والانبياء او أخرى منفرة لا تبعث على الاستحسان بقصد دفع الحسد والمشاعر التي قد تتولد حول الاطفال من عيون ونظرات من يحيطون بهم. فالأسماء الصادمة تقي من العيون والنفوس الكارهة والحاسدة كما كانوا يعتقدون.
الاسماء اللطيفة المريحة كانت تعطى لمن يعملون على خدمة الشيوخ وليس للأبناء تحت مبرر أن “ اسماءنا لأعدائنا واسماء عبيدنا لنا”
مع كل التمائم والطقوس الوقائية كانت نسبة الوفيات عالية جدا وقد لا تقل كثيرا عنها. لهذه الاسباب بقي النمو السكاني في بلادنا والعالم بطيئا جدا فما تأتي به البطون تبتلعه القبور. كان الشباب يتزوجون في اعمار مبكرة لكي ينجبوا قبل ان يغشاهم الموت والبعض يتزوج اكثر من امرأة لينجب اعدادا من الابناء يزيد من فرص ان يبقى له وريث فمتوسط العمر المتوقع للفرد عند الولادة منخفض جدا وقليل من الرجال من يتجاوزون عمر الخمسين عاما.
حتى اوائل القرن الماضي كانت اعداد كبيرة من الامهات تموت اثناء الولادة والاطفال يموتون في عامهم الاول او قبل بلوغ الخامسة والناس لا يعرفون بدقة اسباب المرض فيسمونها بأسماء على شاكلة «ابو طحيل، صيب، ابو مزراق، وغيرها» امراض السرطان غير معروفة لأهلنا ولا امراض القلب ولم يكن احد يعلم الكثير عما يقع خلف الجلد وداخل الجمجمة والقفص الصدري فالناس تستخدم التعويذات والاعشاب والكي كوسائل للتعامل مع ظواهر المرض التي قد يفلح بعض الاطباء الشعبيين في تجاوزها.
دخول الصابون وتحسن الغذاء واختراع المطاعيم كانت العوامل الاهم في تغيير المعادلة السائدة وتحسين فرص المواليد في الحياة والبقاء. وهي المسؤول الاول عن الزيادة السكانية او الانفجار السكاني الذي يعيشه العالم اليوم. في بلادنا التي لم يتجاوز عدد السكان فيها 586 ألف نسمة العام 1952 زاد العدد ليصل الى ما يقارب الـ20 ضعفا في اقل من سبعين عاما ليصبح اقل من 11 مليونا بقليل.
بالعودة الى موضوع الوفيات ينبغي الاشارة الى ان الاردن يستقبل ما يزيد على 185 ألف مولود جديد سنويا ويسجل ما يقارب الـ30 ألف حالة وفاة. الفارق بين الارقام المسجلة للمواليد والوفيات يشكل الرقم الفعلي للزيادة الطبيعية للسكان.
الأسباب التي تعزى لها الوفاة متنوعة لكنها تتراوح في معظمها بين امراض القلب والسرطان والحوادث بما فيها المرور والامراض التنفسية وغيرها من الاسباب الاخرى. في الاردن ينبغي الالتفات الى ان مجموع حالات الوفاة التي عزيت للكورونا منذ وفاة اول حالة في صيف العام 2020 ما تزال اقل من 6 آلاف حالة اي اقل من 20 % من مجموع حالات الوفاة السنوية بالرغم من ان الاصابات المعروفة قد تجاوزت الـ570 الف نسمة والمقدرة عشرة اضعاف الرقم.
في جميع الاحوال تقول التقارير والدراسات العالمية ان الاصابة بالكورونا وحدها قد لا تكون سببا كافيا للموت اذا كان الجسم معافى والمناعة قوية لكن الخطورة تزداد لأسباب ضعف الجسد وتقدم العمر ووجود الامراض المزمنة التي تزيد من تعرض الفرد الى المخاطر. في ضوء ما تقدم ولكي لا نخيف الناس ونثير قلقهم ينبغي التأكيد على ان الكثير من حالات الموت تأتي بسبب رزمة الامراض والاوضاع التي تدفع الى تدهور حالة المريض وحصول الوفاة.
الغد