أدب المولاة وأدب المعارضة
أ. د. انيس الخصاونة
27-03-2021 10:04 PM
أفضت المعطيات السياسية المعاصرة للعديد من الدول الديمقراطية إلى وجود الموالاة والمعارضة جنبا إلى جنب، بحيث أصبح هذا الأمر سمة سياسية معروفة ومقبولة. فالمولاة تؤيد الحكومة وبرامجها وسياساتها في حين تقف المعارضة موقف المتوثب والمراقب، وتكبر هفوات الحكومات، وتحاول إقناع المواطنين بعدم سلامة النهج الحكومي في حين تقدم أفكار ومقترحات للخروج من المواقف محط النقد والانتقاد. والحقيقة أن تبادل الأدوار بين المعارضة والولاء شيء ملموس في الدول الأكثر ديمقراطية على اعتبار أن الحكومات تشكل في ضوء التنافس بين أحزاب وبرامج حزبية .لا معنى للموالاة والمعارضة في غياب برامج وانتخابات وأحزاب ،حيث تفقد كل من الموالاة والمعارضة أسس ومسوغات وجودها نظرا لعدم وجود برامج وكتل حزبية. في ظل هكذا ظروف تصبح الموالاة والمعارضة للأشخاص وللمصالح وللمكتسبات الشخصية أو الجهوية.
تابعت على مدار الأسبوعين الماضيين سجالا كبيرا بين أكاديميين معروفين بمواقفهم المؤيدة للحكومات وحراكيين على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية بعض المقالات التي تناولت ذكرى 24 آذار، والحشد الإعلامي لإحياء هذه الذكرى من قبل قوى سياسية متعددة تنتمي إلى المعارضة. بعض المقالات كانت عدائية ومستفزة للحراكيين، وكانت تمالئ الحكومة بشكل أظهر الحراكيين وكأنهم أعداء الوطن. وفي الوقت الذي لا ننكر حرية أي شخص في تأييده للحكومة وممالئتها بالشكل الذي يقبله لنفسه، فإننا نستغرب أن تكون مواقف البعض بتلك العدائية للمعارضة بفصائلها وأطيافها المختلفة.
جلالة الملك هو قائد لكافة المواطنين موالاة ومعارضة، وهو يلتقي ويستمع للمعارضة وأحيانا يدعو قياداتها إلى الديوان ويستمع لرؤاهم، فكيف ببعض الموالين الذين "يشيطنوا" المعارضة ويتعاملوا معها كعدو للوطن!. نعتقد بأن المولاة لها أصول وأدب ينبغي التحلي به، كما ينبغي أن تكون هذه الموالاة موجهة لخدمة الوطن وليست نفاق وممالئة تضلل المسؤولين.
الأردنيون موالاة ومعارضة، يختلفون حول السياسات والمنهجيات في التعامل مع قضايا الوطن والإصلاح وهذه تسمى في السياسية "برامج سياسية" لكن الأردنيون ليسوا مختلفون على استمرار نظامهم السياسي.
من جانب آخر المعارضة لها أدب وآداب ينبغي الاستناد إليها والالتزام بها وفي مقدمة هذه الآداب أن لا يلعب الشخص دورا مزدوجا (اللعب على الحبلين) فهو لا يمكنه أن يعارض إدارة وهو جزء منها، فمثل هذا السلوك يعتبر سلوك لا أخلاقي ومدان ولا يحقق أبسط قواعد الديمقراطية. يعيب كثير من المواطنين على بعض الشخصيات المعارضة التي تدخل الحكومة أو يسند لها مواقع قيادية في الدولة ويتوقعون منهم أن يستمروا في معارضة النظام والحكومات فكيف يستوي مثل ذلك لوزير يقف منتقدا على الملأ لرئيس حكومته أو لرئيس الدولة في الوقت الذي يمكنه النقاش والحوار والإقناع عبر قنوات وأدوات قانونية ومؤسسية مشروعة للتأثير على السياسة التي تنتهجها الإدارة أو الحكومة؟.
التجربة الأردنية تضمنت العديد من الشخصيات السياسة التي عرف عن نهجها الناقد والمعارض التي دخلت الحكومات والإدارات المختلفة وخرجت من هذه الإدارات واستمرت في إبداء آرائها وانتقاداتها لسياسات الحكومات ونهجها في الجوانب الاقتصادية والسياسية والإصلاحية، وأنا لا أرى غضاضة في ذلك على الإطلاق شريطة أن لا تنقلب هذه الشخصيات على مبادئها ومواقفها الوطنية التي تنسجم مع متطلبات الصالح العام.
الشخصيات المعارضة هي شخصيات وطنية وممن تحمل مؤهلات متقدمة فمنهم الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي والصيدلاني ولا ينبغي أن نستكثر على طبيب أن يكون مديرا لمستشفى أو مهندسا مسؤولا عن مديرية أشغال في محافظته أو أستاذ أن يشغل موقع عميد في جامعته استنادا لتخصصه وليس استنادا لمواقفه السياسية. ينبغي أن نذكر هنا بضرورة التركيز على محتوى ما يقوله المعارضون ومدى جدارته وصحته وارتباطه بالصالح العام أكثر من التركيز على مواقفنا الخاصة من شخوص هؤلاء المعارضين.
نعم ينبغي أن نركز على ما يقوله شخوص مثل عدنان أبو عودة أو طاهر المصري أو أحمد عبيدات أو سالم فلاحات أو الدكتور محمد الحموري أو الدكتور نبيل الكوفحي أو الدكتور محمد البطاينة أكثر من تركيزنا على ارتباطاتنا الشخصية وإعجابنا أو عدم إعجابنا بهم.
نعم نعترف بوجود بعض الشخصيات الانتهازية الوصولية التي تعارض من أجل الحصول على موقع معين، وهؤلاء شرذمة مثيرة للشفقة والحزن إذ أنه تتخذ من المعارضة مطية لتحقيق مصالحها الذاتية والشواهد كثيرة على ذلك. لكن من جانب آخر يوجد العديد من الشخصيات التي خدمت مع حكومات متعددة ولكنها يمكن أن تصنف بشخصيات معارضة وهي تعارض سياسات ولا تعارض النظام، فالنظام السياسي يشمل الموالاة والمعارضة على حد سواء.
بعض الشخوص يظهرون سلوكيات سطحية ساذجة قصيرة النظر إذ يتوقعون من شخص معارض أن يستمر بالمعارضة من داخل النظام ويريدون منه معارضة رؤسائه والاحتجاج عليهم والخروج بمسيرات واعتصامات احتجاجا على قرارات هو ساهم في صياغتها، وأنا أعتقد أن مثل هذا السلوك يدخل في باب الخيانة على المستويين المؤسسي والسياسي.
من المؤسف حقا أن شرائح كثيرة متنورة في المجتمع تعتقد بأن المعارض ينبغي أن يعيش ويموت معارضا ولا يقبل موقعا مع الحكومة في الوقت الذي يستميت به هؤلاء المنتقدين له للوصول لفتات موقع وبأي ثمن.
للموالاة أدب وتقاليد كما للمعارضة أدب وتقاليد وينبغي أن لا نتجاوز في حواراتنا هذه الأعراف والتقاليد الديمقراطية وإلا فستصبح الموالاة والمعارضة بلا ضوابط والخاسر الرئيسي هو الوطن..