ماذا تعني أن تكون الأردن أولاً في قلوب ابنائهِ وبناته؟
أيعني ذلك أغنيةً حماسيةً ننتشي بشعور الوطنية الآنية عند سماعها، أم تعني الأردن تلك الفرحة التي تنتابنا عندما يصل قريبنا مدعوماً بالواسطة إلى منصب لا يستحقه ثم نُمطر السماء بالاعيرة النارية فرحين بهذا الانتصار الفاسد المُزيّف؟
كثير ما نسمع عن أناسٍ يطالبون بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، وللأسف اغلبهم لا يعلمون أو يُغمضون أعينهم عن المعنى الحقيقي للفساد، ففي طبيعتنا وثقافتنا المجتمعية أصبح الفساد والواسطة جزءاً اصيلاً من تعاملاتنا..
فعلى سبيل المثال شهدت شخصيا على موقفٍ له أبعاد كثيرة في فترة الانتخابات النيابية قبل عدة اشهر، عندما تناقشت مع سيدة حول مُرشحٍ تُدافع عنه بإستماتة وتُشجعني على التصويت له، ثم عندما سألتها في نهاية الحِوار عن اسباب تأييده منقطع النظير اجابتني بأنّه كان السبب وراء حصول ابنها على وظيفة جيّدة.
أنا لا ألوم تلك السيدة لأنّه فعليا في هذا العالم الصعب المُتعب لا مجال للمقارنةٍ بين الشعور الوطني والشعور بالجوع في حال لم يحصل شخص على وظيفة تسد رمقه، لكن إن نظرنا للمشهد من زاوية شاملة سنرى بأنّ الفساد والواسطة هم أسباب أيّ كارثة أو فشل يُصيبنا، فمثلاً ذلك الذي استلم مستودع الادوية ولم يقم بتشغيل مُبرّدات الهواء، قد افسد بتراخيه ادوية تسببت للعديد من الاشخاص بأمراضٍ كارثية عِوضاً عن مداواتهم، وقِس على ذلك من مصائب حول حصول الشخص غير المُناسب على الوظيفة.
هذه الافعال لا تُحارب بمعارك شخصية بل بمنظومة واسعة تحدد الاولويات في وطننا، فلا تجعل الفرصة بيد من يبددها على حسب مزاجهِ أو قرابته أو علاقته بأيّ طرف، نحن في الحقيقية تقريباً نسعى أن يكون الأردن أولاً، فالوطنية الحقيقية تُملي على المواطن الحقيقي أفعالا وواجبات يجب عليه أن يفعلها بغض النظر إن كان أداؤه بضمير عالٍ طفرة في مجتمع من التسيّب، فالأوطان لا تُبنى على مبدأ (الموت الجماعي رحمة)!