إن نقد هوفمان البناء مهم لأمريكا. وكما قال الرئيس بيل كلينتون 'لا يوجد خطأ في أمريكا لا يمكن علاجه بما هو صحيح فيها لقد آن أوان أن تستمع أمريكا وتتعلم من حلفائها وأصدقائها .
يناقش بروس بروس هوفمان، وهو أستاذ في كلية والش للخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون وزميل أول في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في مجلس العلاقات الخارجية، استراتيجيات الحرب الأمريكية على الإرهاب، وتحمل ورقته المهمة التي نشرها «معهد توني بلير للتغيير العالمي» تحت عنوان: 20 عاماً من الحرب على الإرهاب: مفترق طرق أم طريق مسدود؟ شهادة «شاهد من أهلها» عن مجموعة ملحة من القضايا والاعتبارات التي ينبغي أخذها بالحسبان عند أي محاولة لمراجعة وتقييم تعاطي الإدارات الأمريكية المتتابعة مع قضية الإرهاب في الشرق الأوسط، وما العشرون عاماً التي غطاها هوفمان في ورقته إلا تلك المرحلة العصيبة التي مرت بها المنطقة منذ أحداث سبتمبر أيلول 2001 وحتى اليوم.
ومن أهم الأسباب التي دفعتني لعرض هذه الورقة والتقديم لها أنها تضمنت الكثير من الأفكار والنتائج التي كنت وما زلت أتناولها في مجمل كتاباتي ومقالاتي في الشأن السياسي والإنساني فيما يخص منطقتنا، وتقاطعت فيها مواقف وتوصيات كثيرة قدمتها مع تلك التي أوردها الأستاذ هوفمان في ورقته، وخاصة الاتفاق على أن استراتيجيات أمريكا لم تكن فاشلة في مكافحة الإرهاب فحسب، بل لقد أدى فشلها هذا إلى تناميه وازدياد توسعه الأفقي والعمودي، ما يجعلني متحمساً للقول أن فشل أمريكا هذا لم يكن «بسيطاً»، بل كان «مركباً» أدى إلى نتائج كانت على العكس تماماً مما أريد لها، ولعل هذا التفريق بين فشل بسيط وآخر مركب يشبه تماماً التفريق الشائع بين الجهل البسيط والجهل المركب.
ولا يخفي الكاتب في ورقته أن أحد أسباب فشل الحرب الأمريكية على الإرهاب يرتبط بالجهل الأمريكي نفسه بهذه المنطقة وانماط أهلها السلوكية والنفسية والاجتماعية، وبالمنظومة التي تحكم أفرادها وما تتضمنه من عادات وقيم وتقاليد، وهذا هو تماماً ما درجنا على وصفه «بالغرور الأمريكي» الذي أوقع ساسة واشنطن في مطب فهم هذا المشرق كما يتصورونه هم أنفسهم، لا كما هو على حقيقته. وللأسف فقد انسحب هذا الغرور الأمريكي حتى وصل لدرجة أن تغمض أمريكا عينها وتسدّ أذنها عن نصائح وآراء واعتبارات حلفائها في المنطقة، وبخاصة السعودية والإمارات والأردن ومصر، وإذا بقيت أمريكا على هذه الحال فإن الإرهاب باق ومستمر لسنوات وسنوات.
وها أنا ذا اضع ورقة بروس هوفمان بين يدي القارئ فلن أخوض في تفاصيلها حالياً، بل لعلي أرجئ ذلك لمقال منفصل، لكن ما أود التنويه إليه أخيراً أن المنطقة كانت بحاجة سلاح المشاريع الإنسانية والتنموية الذي لو قدمته أمريكا لكان أكثر نفعاً من آلة الحرب والقتل التي كلفت جميع الأطراف مئات مليارات الدولارات. وربما لم تصل أمريكا بعد لطريق مسدود في هذه الحرب، لكنها قاب قوسين من ذلك إذا ما بقيت استراتيجيات الإدارة الأمريكية الجديدة مستمرة على هذا النحو الذي هي عليه حتى الآن
إن نقد هوفمان البناء مهم لأمريكا. وكما قال الرئيس بيل كلينتون 'لا يوجد خطأ في أمريكا لا يمكن علاجه بما هو صحيح فيها لقد آن أوان أن تستمع أمريكا وتتعلم من حلفائها وأصدقائها .