الحسين بن علي وبيان الامة لموسى الحسيني
أمل محي الدين الكردي
25-03-2021 06:13 PM
إن تحديات المشروع الصهيوني منذ القرن التاسع عشر على ارض فلسطين فرضت ابراز قيادات فلسطينية لمناهضة هذا المشروع ،ومن أبرزها عائلة الحسيني وهي من أعرق البيوت العربية واقدمها فكانت بيوتهم مركز للزعامات العربية وانطلاق الحركات النضالية والوطنية والشعبية وكان بيت الحسيني يسمى الدار الكبيرة لكثرة تردد الوفود العربية وهم من خيرة العائلات حسباً ونسباً وكان من أبرزهم الشيخ أمين الحسيني وموسى كاظم الحسيني والد الشهيد عبد القادر الحسيني.
وموسى كاظم باشا الحسيني والذي كان رئيس اللجنة التفيذية المنتخب من قبل المؤتمر العربي الفلسطيني عام 1920م كان مناضل وطني صادق وكان متعالياً على الخلافات الحزبية عقيدته وطن واحد وأمة واحدة ولا يجنح الى أي فريق لذلك أحترمة الشعب العربي والفلسطيني.
في 21 كانون الثاني لعام 1924م استقبل الشريف حسين بن علي طيب الله ثراه بالقصر الملكي في عمان وفود الاقطار العربية ومنها الفلسطينية والتي كانت تحتفي بقدوم جلالته ولتعلن اخلاصها وتبسط له امالها والآمها. والذي أكد جلالته لهم عزمه الوطيد في مواصلة السعي لاستقلال البلاد العربية ومنها فلسطين استقلالاً تاماً والعمل على تحقيق وحدتها واصراره على المطالبة بالعهود التي قطعها الحلفاء لجلالته وقال ان المفاوضات بينه وبين الحكومة البريطانية لم تنته وانه لن يبرم أي معاهدة تناقض تلك العهود وتخالف آمال الامة الاستقلالية ،وانه عند إنتهاء المفاوضات لا بد أن ياخذ رأي الأمة قبل التوقيع على المعاهدة وانه لا يقبل على أي حال ان تكون فلسطين الا لأهلها العرب .فأصدر موسى الحسيني بياناً الى الأمتين العربية والفلسطينية وليوضح ما تداول الوفد من أفكار لجلالته وابتهاجهم به ومن مضمون ما نشر في البيان: ابتهجت لاني رأيت في جلالته جلال الماضي ،تمثلت فيه رجال تاريخها العظام كأبي بكر وعلي بن ابي طالب وعمر بن الخطاب وغيرهم ،تذكرت به نهضة الامة العربية بعد الاسلام ،تلك النهضة العجيبة التي أظهرت فيها الأمة العربية أقصى ما يمكن ان يبلغ النشاط البشري تذكرت به ذلك الماضي الضخم الذي كانت فيه الامة العربية على رأس الحضارة، ذلك الماضي الخالد الذي به نعتز ومنه تستمد قوتها.ابتهجت لانها رأت جلالته في حياة الحاضر لقد توهم كثيرون ان الأمة العربية قد بلغت الهرم فلا تقوى على الحياة ولن تعيش الا ضعيفة ذليلة يتحكم بها الناس يأمرونها فتطيع وينهونها فتمتنع ويسومونها الخسف فترضى وانها فقدت قواها الحيوية من عهد بعيد واذا فقدت امة قواها الحيوية فلن تسترجعها وانها خاملة فاذا نهضت فنهضتها كاذبة مصنوعة أشبه بانتباه المريض وقد أشفى على الموت وانها مختلفة الأهواء والامزجة الى حد انها صارت امماً مختلفة فلا يمكن ان يكون منها وحدة وانها فقدت زعمائها المخلصين فهي تمشي على غير هدى واذا ظهر فيها زعيم فيمتص دمها ويبيعها بيع السلع في سبيل اغراضه وشهواته وانها ألفت الذل فلا تنزع الى الحرية والاستقلال وانها منحطة فلا تفهم معنى الوطنية ولا تسموا اليها هكذا قالوا ولكن ذلك الخمول والانحطاط او الهرم او الموت لم يكن الا سباتا قد يستولي على الأمم في طريق تاريخها ثم تهب منه فتستأنف سيرها .فهذه الأمة العربية ما نهض زعيمها الاكبر صاحب الجلالة الهاشمية وانجاله المعظمون ،حتى انتفضت فزال القبر والكفن وعادت الى الحياة ممتلئة الجسم مكتزنة العضل تسعى كما يسعى الأحياء وتفعل كما يفعلون ،كأنها لم تسكن هذا الدهر الطويل الا لتثب ،انها ابتهجت اليوم فإنما تبتهج بأبي نهضتها ورسول الحياة اليها.
ابتهجت لاني رأيت في جلالته آمال المستقبل لقد قالوا ان الشرقيين ومنهم العرب يعيشون على الماضي ولا يفكرون بالحاضر ولا يستعدون للمستقبل ومن لا يفكر في الحاضر ولا يستعد للمستقبل فهو حقيقي لا يصلح للحياة يضعف وغيره يقوى ،ومن يذل وغيره يعتز ،ومن ينحط وغيره يترقى ،ومن يموت وغيره يحيا، ولكن هذه النهضة التي قام بها جلالته ولدت في صدور الأمة آمالاً كباراً وهي بفضل ما بُعث فيها من نشاط بفضل ما تستمد من ماضيها من قوة تعمل في سبيل تحقيق آمالها وهي مؤمنة انها بلغت تلك الآمال مهما قام في طريقها من العثرات والعقبات فكانت وهي تنظر الى جلالته كأنها تنظر بلحظ الغيب الى المستقبل السعيد الجميل إن شاء الله .نعم انها ابتهجت لانها رأت في جلالته جلال الماضي وحياة الحاضر وآمال المستقبل وهي تشكر لجلالته هذه الزيارة وتعلن تعلقها واخلاصها له .
هذا ما كان من بيان موسى باشا كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية وبعدها اجتمعت الوفود وقد اجمعت على شكرها لجلالته وتأكيد ما اكد به جلالته واعتبروا ان تصريحات جلالته هي مواقف لرغائب الامة الفلسطينية مؤيدة لما قررته مؤتمراتهم وجمعياتهم السياسية واكد بأن اللجنة التنفيذية التي كانت وما زالت تثق كل الثقة بسياسة جلالته الرشيدة وان الحصن الحصين والملجأ المعين للأمة العربية عامة والامة الفلسطينية خاصة ويؤكد موسى كاظم على ما يبذله جلالته من الهمة العالية في انهاض أمته واسعادها ويردد بترديد آيات الشكر والعرفان.
هذا بيان موسى باشا كاظم الحسيني والذي أعده ووزعه الى الامة العربية والفلسطينية انذاك للتوضيح مواقف جلالته طيب الله ثراه من فلسطين واهل فلسطين ، والهاشميون اللذين لم يتوانوا لحظة بالتخلي عن فلسطين الى اليوم وما زالوا يحملون هذا الحمل على اكتافهم .رحم الله ملوك الهاشمين .