كانت ومازالت فوضى الكراسي و عدم جلوس من يستحق عليها سياسة ممنهجة في وزارة الصحة،فلم تكن الطبقة الإدارية فيها تحت المجهر فمنذ بداية جائحة كورونا نبهت و أشرت بعدة وسائل إلى الفوضى الإدارية المنظمة و التي على مدار سنين طوال جثمت على رئتي التميز في هذه الوزارة لدرجة أننا قمنا بالإستعانه بأطراف من خارج الوزارة لإدارة ملف كان من الأولى أن تديره الطواقم الإدارية بمهارة في وزارة الصحه؛ إلا أن الضعف في الطبقة الإدارية كان واضحاً و جلياً فتطلب الموقف تنحيتها عن مراكز صنع القرار بما يخص كورونا و تبعاتها فكان قراراً صائباً نظراً للوهن و الضعف الحاصل بمختلف المعايير و الأصعدة.
للأسف الشديد أننا لا ننتبه لمراكز الخلل و الضعف إلا عندما تحدث الكوارث و الأزمات أو عندما نفقد من نحب نتيجة أخطاءنا المتراكمه ونعتبر كل من يُلْفِت انتباهنا إلى أخطاءنا مُغْرِضٌ وطامع. فكانت كارثةٌ بحجم كارثة السلط منبهةً للترهل الإداري في وزارة الصحة و ناقوس خطر كان من الممكن تجنبه لو أصغينا دون كبرياء وعنترية للناقدين الصغار التي حاولت الطبقة المخملية الإدارية في وزارة الصحة قمعهم بشتى الوسائل والسبل.
حُكِمَت وزارة الصحة بمختلف مديرياتها ومستشفياتها عبر حُقَبٍ زمنية سادها الرخاء الصحي السطحي بمزاجية الوزراء تارة و الضغط عليهم من أطراف مؤثرة تارة أخرى ومن اللوبي الإداري المترهل تارات عدة مما أدى إلى تدهور حالتها و خروج كفائاتها و تسربهم للقطاع الخاص و الدول المجاورة.
فتم استعمال بعض قوانين الخدمة المدنية بغير مكانها فنرى بوقت قصير أحد الموظفين قد رُفِّعَ جوازياً لعدة مرات دون إنجازات أو أبحاث علمية و إدارية ثم يقفز بمظلة للساحة الإدارية بكتاب رقم باراشوت أو مقابلات تقييميه حقيقية متجاوزاً بذلك خطوط الكفاءة و المعايير الإدارية ليبدأ بالحكم و الرسم بمساعدة من رَقَوْه ليكون إحدى أذرعهم و عونهم..فلا ندري كيف ولماذا ومتى تم اختياره.
بقيت السلالات الإدارية المتحورة عبر العلاقات الشخصية تدور كالرحى فبالتزكيات و الرضا تُؤَمن فوضى الكراسي و تتكاثر السلالات نفسها باستخدام سلطاتها الإدارية دون النظر لأدنى معايير الكفاءة و الشفافية.
تعزف الطبقة الإدارية و المخملية في وزارة الصحة على عدة أنغام..وإليك أنغامها و ألحانها..نغم الولاء و الإنتماء لضمان ديمومة بقاءهم..متناسين أن الولاء والانتماء منهج قويم وليس أسلوبٌ لغض الطرف عن بعض الأخطاء..ناهيك عن لحن أنهم الأدرى و الأقدر لإدارة الملف الصحي عبر الترويج لورش الدهان و حملات النظافة الآنية متناسين جوهر الإصلاح و أساسه.
قبل حادثة السلط البائسة و قبل كورونا و أخواتها نبهت و أطلقت أجراس الإنذار للترهل الإداري و تفشي الشللية والمحسوبية والوهن الإداري المُحاط بهالة إعلامية زائفة فقدمت الحلول المنطقية و العلمية لتفادي خطر نقص الأسرة و تقليل ساعات الانتظار في الطوارئ وأهمية فرز المرضى وتنظيمهم لتلاشي إمكانية العدوى بـ H1N1 وللخروج بخدمة لائقة تليق بالمواطن الأردني فلم يُكْسَر الباب لسماعي وإنما جُهِزَت الإنذارات و التنبيهات وكتب النقل التعسفي وشغلت الإدارات بملاحقتي قضائيا وتناست أصل المشكلة والنتيجة فقدان سيرين شهيدة الضعف الفني و الإداري وليس نقص الكوادر كما روَّج البعض فقبل حادثه سيرين بأيامٍ معدوده تم نقل ما يزيد عن ثلاثة عشر طبيبا من مقيمي الطواريء مما أدى لزيادة حجم الضغط الحاصل على كوادر الطواريء في مستشفى البشير ففقدنا عمار الطبيب المغلوب على أمره وقبل أيام الطبيبة دعاء شهيدة اللامبالاة الإدارية.
للأسف الشديد تم توظيف بعض الإعلاميين ووسائل الإعلام لتجميل صورة بعض الإداريين فكلمات " ابشر" و "كسرت الباب" و " بخدمتك" هي مواد تجميلية لواقع تعيس ليس من نقص الموارد وإنما من انعدام الرؤيا الإدارية..فساهم الإعلام المسموع أو المرئي بمساندة بعض الإداريين و تمكينهم من الترويج لإنجازات غير ملموسة على أرض الواقع و بإطلاق شعارات أبعد ما يكونوا عن حروفها.
تحتاج وزارة الصحة للعديد من عمليات الترميم و التجميل لإصلاح و تأهيل ما حل بها على مدار سنين متعاقبة فلا ننكر أن كورونا و بؤسها قد كشف و عَرّى النظام الإداري بها ففي هذه المرحلة الحرجة من مدة العملية التجميلية ربما يحتاج الجراح لكل الطرق التي تعلمها لإزالة الزوائد و الترهلات حتى يَخْلُص لشكل و مضمون لائق يليق بمئوية دولتنا العامرة.
بعد حملة الإصلاح التي قادها القدر والألم كنا نَوَّد أن ينتهيَ مسلسل التزكيات و القرارات غير المدروسة ويبدأ عصر جديد تحمل الكفاءة أهم معاييره و سُبُلِه فما فائدة الإعلانات عبر صفحة رئاسة الوزراء..إذا كانت التزكيات سيدة الموقف و عنوان المرحلة.
هل سيبقى نظام التقاعد هو الأسلوب الأوحد للتغيير و التخلص من الزوائد الإدارية ؟ هل ستبقى الكوارث والنكبات هي الطريقة الوحيدة لتعرية الطبقة الإدارية في وزارة الصحة؟
ألا يمكننا أن نستشرق المستقبل و لو لمرة واحدة؟ لماذا لا نبدأ بحملة إصلاح تطال شبكة الترهل بأكملها ؟ لماذا لا نستمع إلى صغار النقاد و إلى الموظفين الصغار ؟
إن العلة ليست بنظام الأكسجين أو بتحميل ذرتين من الهواء سبب النكبات المتعاقبة لوزارة الصحة لكن العلة بنظام متشابك الأذرع الإدارية ومتنوع العلاقات الشخصية عبر صداقات أرهقت كاهل وزارتنا و أثنتها عن تطوير ذاتها على حساب تطور منظومة الترهل و الاستعراض.
بعد الأوامر الملكية و الغضب الملكي العارم نريد وزارة كفاءات لا تزكيات و توصيات..خلص بكفي.
نريد منهجاً إدارياً واضح المعالم و لغةً إداريةً لائقة بعيدةً عن أي دعاياتٍ شخصية..خلص بكفي.
ومن هذا المنبر الإعلامي الحر أدعو رئاسة الوزراء للتمعن أكثر بواقع وزارة الصحة والانتباه لمركز الأمين العام فهو عمود أي وزارة وعدم تمرير هذه المرحلة بإصلاحات سطحية..فكورونا وسلالاتها إلى زوال بإذن الله..لكن تبقى السلالات الإدارية المترهلة أذىً و وباءً لا يمكن السيطرة عليه إلا بقرارات جريئة و غير تقليدية لإيصال وزارة الصحة و أمننا الصحي إلى بر الأمان الذي فُقِدَ عبر سنين طوال.
لتكن الكفاءة لكم عنوان
لتكن القدرة وشاح أمان
لنستعن بالعقلاء وأصحاب البيان
ليكن حسن التدبير بالحسبان
ولنبتعد عن إدارات الخلان.