أنا وأولاد حارتي لم نكن أولاد شوارع فحسب، بل كنا أولاد مزابل أيضاً، إذ ان الميزة الوحيدة لحارتنا عن الحارات الثانية هي أنها كانت تحظى بمعلم حضاري هام، ألا وهو (مزبلة طنوس) وهي قطعة ارض منحدرة سميت باسم عائلة أحد مالكي الأرض على ما يبدو. مزبلة طنوس مدينة ملاهينا، مراجيحنا ... برجنا .... ملاعبنا. حياتنا.
سباق الصراصير، هل سمعتم بسباق الصراصير. هذا ما كنت مشهوراً بتنظيمه. إذ نقوم أولا بتجميع الصراصير من تحت الأحجار العظيمة، وندس عيدان الكبريت في مؤخراتها، ونضعها في وصف واحد ونطلقها للسباق، كانت الصراصير تحرث الأرض ألما، ونحن نحرث الأرض فرحاً.
عاطف فقد إصبعه أثناء البعبشة تحت الأحجار عن صراصير جديدة، إذ لا يخفى عليكم ان المتسابقين كانوا يهلكون فور انتهاء السباق، انكسر إصبع الشاهد لعاطف، فعالجته أمه بالعجين والميكوركروم والسلفات منته الصلاحية قبل عقدين، فأصيب الإصبع بالغر غرينا التي أدت في النهاية إلى قطعه، وكان هذا أول انتقام صراصيري من حضراتنا.
أما (الدَبّةْ) التي تكبر باستمرار في مزبلتنا فقد كنا نستخدمها (لمراجدة) الحجارة على السكان تحت، ثم نهرب ولا يستطيع ان يمسكنا أحد.
الآن أشعر بذنب عظيم، لكن القاء الحجارة على الناس في ذلك الوقت كان متعة عظيمة لنا. للعلم فلم نكن نجمع شيئاً من المزبلة لأن صرعة بيع علب المشروبات الغازية الفارغة لم تكن قد اكتشفت بعد، إضافة إلى ان زبالة الفقراء لم تكن تحمل ما هو جدير باحترام أحد، وكان معظمها من متبقيات الطوابين أو متبقيات تنظيف الكرشات التي كانت المأكول الرسمي لحارتنا العتيدة.
أما مصارين الدجاج فلم تكن تلقيها النسوة في الزبالة، إذ كانت تتحول إلى (حوسة) بينما يتحول ريش الدجاج إلى مخدات، أما عروق الملوخية – فالحمد لله – كانت متوفرة بكثرة في مزبلتنا، حيث كنا نلتقط منها ما تبقى من أوراق ناشفة وندخنها حلالاً زلالاً.
الان. تحولنا نحن إلى صراصير ... نشترك في صراع البقاء ونموت قبل خط النهاية... بالتأكيد هناك من يرقص فرحا بينما نرقص ألما؟
(من كتابي الجديد «البالون رقم 10»)
الدستور