خلص .. يكفي
العميد المتقاعد عارف الزبن
24-03-2021 02:04 AM
رحم الله شهداء السلط ورحم الله شهداء الوطن وحمى الله الأردن من الوباء والبلاء والفتن. عندما ترأس جلالة الملك اجتماع مجلس السياسات، اوقفتني لغة الجسد التي بدت على ملامح جلالة الملك، عندما ضرب في يده اليمنى، وبشكل قاطع كحد السيف الطاولة التي يجلس عليها قائلا " بكفي.. خلص “، متمنيا ان تفهم الحكومة وكل مدير ومسؤول مدى غضب وزعل الملك على هذا الحدث. لقد اوقفتني زيارة جلالة الملك الى مستشفى السلط بان اعود بالذاكرة الى اخوة ورفاق سلاح من السلط، وهم العميد المتقاعد فيصل خليفة الزعبي والمقدم المتقاعد صقر جميل النسور والذين تشرفت بالخدمة معهما على مدار ثلاثون عاما في القوات الخاصة، تعود القصة الى يوم ١٥ أيار ١٩٩٩ عندما تعرض الزملاء الى حادث سير على الطريق الصحراوي، حيث تم نقلهم بواسطة سيارات الاسعاف الى المدينة الطبية، وعند وصولهم امتدت اليهم ايادي الرحمة البيضاء لتتلطخ بالدماء لإنقاذهم في قسم الطوارئ الى ان استقرت حالتهم ونقلوا بعدها الى العناية الحثيثة.
في ذلك اليوم، كان جلالة الملك عبدالله الثاني في زيارة الى ليبيا، مع وفد من بينهم العقيد جمال سالم الشوابكة (قائد المجموعة الخاصة آنذاك)، وكعادتنا كقادة يجب الإبلاغ عن أي حادث يتعرض له أي ضابط او فرد الى القائد مباشرة، فقمت بالاتصال بقائد المجموعة (الباشا ابو ماهر) الذي عرف عنه بانه شخص لا يعرف ولا يستطيع ان يخفي مشاعره، وتصادف اتصالي وجود أبو ماهر في خيمة القذافي بانتظار جلالة الملك والرئيس معمر القذافي، وبعد جلوس جلالة الملك وقعت عينه بعين أبو ماهر، مستغربا جلالة القائد تغير ملامح ابو ماهر والدمعة التي تكاد ان تسقط من عينه، فقال جلالة الملك " ابو ماهر اشوفك زعلان في شيء" فنقل ابو ماهر الخبر الى الملك عبدالله الثاني بكل مشاعر الصدق والوفاء، حينها استاء الملك من الخبر وطلب الاطمئنان على حالة المصابين الحرجة، ولتهدئة زَعل جلالة الملك قال احد الضباط " يا سيدي توكل على الله، الحمد لله انهم بالمدينة الطبية مش في البشير" عندها فكر جلالة الملك بتلك الكلمة، وما ان انتهى الغداء مع القذافي وانتهاء الزيارة. وفي عصر ذلك اليوم أبلغني طيار جلالة الملك اللواء الطيار سمير شكري، بتجهيز المهبط لهبوط طائرة جلالة الملك، عندما كانت كتيبة مكافحة الارهاب /٧١ التي تشرفت بقيادتها، حيث ان المهبط كان مشترك بين السرب الملكي والكتيبة في قصر الهاشمية لقرب موقع قصر البركة منها، وكانت تعليمات جلالة الملك للحرس الملكي بأن أكون في استقباله عند الهبوط ووداعه عند الإقلاع.
وبعد ان هبطت طائرة صقر قريش في مطار الملكة علياء الدولي، تلقيت اتصالاً من رئيس التشريفات الملكية دولة فيصل الفايز (آنذاك) مستفسرا عن وجود مهبط لطائرات الهيلوكوبتر في مستشفى البشير، حيث قمت بالاتصال بمديرية الامن العام للتأكد من ذلك، وتبين عدم توفر مهبط يتسع لطائرتين الا ساحة مدرسة قريبة تتسع لهبوط طائرة واحدة فقط. وما هي الا نصف ساعة بعد وصول جلالة الملك الى المطار الدولي، أطلت علينا طائرة جلالة الملك من جهة وادي السير وبسرعة عالية، وهبطت في المهبط عندها نزل جلالة الملك، وقال عارف ما في مهبط قريب لنا عند البشير للهبوط فيه؟ " فقلت له " لا والله يا سيدي لا يوجد الا مهبط واحد صغير " في تلك اللحظات كنت ارى الزعل والغضب في عيون الملك والعجلة في خطواته، فقال لمعالي فيصل الفايز، "على بركة الله نروح بالسيارات وبدون اي ترتيبات"، عندها غادر جلالة الملك الى قصر البركة، وتخفى باللباس المدني كمواطن للوقوف على واقع الطوارئ في مستشفى البشير، وحدث ما حدث من النهضة الأولى التي حدثت في مستشفى البشير والتي تبعتها زيارات أخرى عديدة.
وبعد ان شاهدت ما حدث في مستشفى السلط، وبكل اسف لا تزال الحكومة لا تعرف مدى غضب وزعل جلالة الملك، ولا تقدر مدى الخطر الذي وضع جلالة الملك نفسه فيه في تعريض نفسه للتعرض للإصابة بفايروس كورونا عند اختلاطه مع المواطنين في المستشفى، وعندما شاهدت لقاء جلالة الملك في لقاء مجلس السياسات وهو نازعا الكمامة، وكأنه يريد ان يوصل رسالة لكل مسؤول؟ لا اريد ان أخفي عليكم ملامح الزعل في داخلي، الذي قد شاهدتموه من خلف الكمامة عند زيارتي لمستشفى السلط الذي تبعه الضرب باليد على الطاولة.
وفي الختام، اقول كل مسؤول في مكانه هو راع في ادارة شؤون دائرته ، ومن باب ردع الفتنة وليس من باب التسحيج او الدفاع او الطمع في منصب الا تكفي هذه المواقف والمتابعة، لتثبت ان الملك لا تهون له ان يشاك اردنيا بشوكة او ان يموت اردني بسبب اهمال طبي او تقصير اداري، وهل مطلوب من الملك ان يتدخل في كل موقف وفي كل ما يحدث او ان يصبح مسؤولا عن اهمال بعض المسؤولين. الا نستمع الى قول جلالة الملك " خلص ..يكفي "
حمى الله الأردن. وطنا.. ومليكا.. وشعبا