هو يوم كأي يوم آخر من أيام الوطن.. يوم نعشق فيه وطننا الأعز وثراه الطاهر عشقا طاهرا أزليا موروثا أبا عن جد، يسري فينا مسرى الدم في العروق.. يوم نجدد فيه الولاء والإنتماء والبيعة لقيادة هاشمية حكيمة واعية ما انفكت يوما من السعي لتحقيق الأفضل لشعبها والتمسك بالثوابت الوطنية العليا، في ظل تحديات وضغوطات داخلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة.
هو يوم كذلك اليوم قبل مائة عام عندما قام رجالات الوطن الأحرار حينها بتشكيل أول حزب في الوطن "حزب الإستقلال الأردني" منادين بالتحرر والإستقلال، وداعمين للحكم الهاشمي بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين.. رجالات وطن، من أقصاه لأقصاه، كل منهم بحجم وطن.. حديثة باشا الخريشة وحسين باشا الطراونة ومثقال باشا الفايز وعبد الرحمن باشا الرشيدات وراشد باشا الخزاعي وتركي باشا الكايد العبيدات وعلى خلقي باشا الشراري وسالم باشا الهنداوي وغيرهم كثيرون من المؤسسين الأوائل.. فتأسست إمارة شرق الأردن، استجابة لتطلعات وطموحات أمة للإستقلال والتحرر من الإضطهاد والعبودية والإستبداد، والأمل بأن تكون الإمارة الوليدة نواة لإنشاء وطن عربي موحد من حلب إلى عدن تحت راية الهاشميين.. فأوكل الأمير الشاب عبد الله للحزب الوليد تشكيل أول حكومة للإمارة الوليدة برئاسة رشيد باشا طليع، الخبر الذي كان له وقع الصاعقة على سلطات الإنتداب البريطاني وذلك لمجاهرة الحزب العداء لها ولأن أهداف الحزب المعلنة، والتي سعى لتحقيقها قولا وفعلا، إستندت على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال والإنتداب وإقامة الدولة العربية الموحدة ورفض المخططات الصهيونية لسلب فلسطين. لم تثن الضغوط الخارجية سمو الأمير الشاب عن التمسك بمبادئة الوطنية والقومية، ففعل ما آمن بأنه الصحيح لوطنه وأمته، كما لم تثن رجالات الوطن الأحرار عن التصدي لها ولممارسيها من الخارج والداخل بعزم وحزم ومثابرة وإصرار، تحت الراية الهاشمية الحكيمة.
هو يوم ككل الأيام.. كذلك اليوم الذي حقق فيه وطننا الإستقلال عام 1946... فأعلن مجلسه التشريعي الخامس، بنوابه الستة عشر، الإستقلال .. وكلف المجلس أربعة من أعضائه: ماجد باشا العدوان ومعارك باشا المجالي وحمد باشا الجازي وسالم باشا الهنداوي برفع رغبة وقرار الأمة لأميرها عبد الله بن الحسين وتنصيبه ملكا على المملكة الوليدة بلقب حضرة صاحب الجلالة الهاشمية ملك المملكة الأردنية الهاشمية.. رجال أفنوا أعمارهم رخيصة في سبيل وطنهم، كما كثيرون غيرهم من رجالات الوطن.. ضحوا بكل شيء.. أنفسهم وصحتهم ومالهم وكل ما يملكون.. ثمنا بخسا لمبادئهم ومنظومة القيم التي آمنوا بها وأفنوا أعمارهم في سبيل تحقيقها.. فمنهم من استشهد ومنهم من سجن ومنهم من حكم بالإعدام ونفي.. لم يثنيهم ذلك ولم يحيدهم قيد أنملة عما آمنوا به.. عشق ثرى وطنهم الطاهر والوفاء والإنتماء والولاء لقيادته الهاشمية.
هو يوم كيوم الكرامة، قبل أكثر من نصف قرن من الزمن عندما التف الجيش والشعب حول قيادته الشجاعة والحكيمة، رغم الأحزان والنكسات وخيبات الأمل السابقة، فسطروا بدمهم أعظم البطولات.. ودحروا عدوا متغطرسا طامعا مغتصبا زارعا للفتن وهزموه شر هزيمة وحطموا أسطورة جيشه الذي لا يقهر..
هو يوم كذلك اليوم قبل عقدين من الزمن عندما نادى الأردنيون بملء حناجرهم "مات الملك.. عاش الملك".. فبايعوا ملكا شابا طموحا معززا لوطن تركه له سلفه الملك الباني ومن قبله سلفه الملك المؤسس.. لم يثنيهم حزنهم الجم بفاجعة فقدان قائدهم على مر عقود من الالتفاف حول قيادتهم الشابة ومبايعتها من أجل قيادة وإكمال المسيرة.
هو يوم كأيام أخرى كثيرة من أيام الأردنيين الذين يتغنون فيها بوصفي وهزاع وحابس وذوقان وغيرهم الكثير من رجالات الوطن الأخيار.. تغنوا برجولتهم وجرأتهم.. تغنوا بعشقهم لثرى وطنهم الطاهر.. وتغنوا باستقامتهم ونزاهتهم ونظافتهم ومنظومة القيم التي انتموا إليها وآمنوا بها.. جاهروا بالحق وقارعوا الباطل قولا وعملا ومن كل موقع ..جبلوا بحبهم لشعبهم وخدمتهم الخالصة له، فبادلهم الشعب الوفي حبهم بحب مستمر لا ينضب ولا يخفت بمرور السنين .. كما تغنى الأردنيون أيضا بانتماء رجالات الوطن ورموزه هؤلاء، وغيرهم كثيرون، وولائهم المطلق لقيادتهم الهاشمية التي عشقوها ودافعوا عنها ولم يتخلوا عنها في أحلك الظروف وأصعبها، والفتن الخارجية والداخلية تعصف بالوطن وشعبه ومستقبله، لإيمانهم المطلق بأنها صمام الأمان وبأنها، برؤيتها وحكمتها وحنكتها ووعيها وإرثها ومكانتها، لهي القادرة دوما على توحيد الصفوف وتوجيه بوصلة سفينة الوطن نحو بر الأمان.
هو يوم ككل الأيام في وطني.. تحدياته الداخلية والخارجية كثيرة وعظيمة: وضع وبائي غاية في الخطورة والصعوبة، ضعف أداء حكومي مقيت وعابر للحكومات، فساد إداري ومالي مستشر، وضع إقتصادي في غاية السوء والتدهور، فقر وبطالة، وغيرها كثير.. نجهر بها ونعلنها من على كل منبر بكل تفاصيلها وتعقيداتها، ونواجهها وجها لوجه، قولا وعملا، باذلين أقصى الجهد لتقديم المقترحات والحلول بشأنها.. بأسلوب ونهج موضوعي وإيجابي هاديء هادف للإصلاح.. ومشجعين ومحفزين وداعين لكل أبناء الوطن بأن يقوموا بذلك، كما كان يوجه بذلك سيد البلد دوما وما زال.. ولكننا لا يمكن أن نسمح وأن نقبل بأن تستغل هكذا تحديات، مهما بلغت فداحتها، لتكون مبررا لطعن الوطن في خاصرته أو الإنجراف، بوعي أو دون وعي، وراء أطماع أعداء الوطن والأمة وكيدهم بزرع الفتن بين أبناء الشعب الواحد وتمزيق الوطن من الداخل .. سنبقى ممسكين بجمر الثوابت الوطنية العليا بيد وجمر الإصلاح والبناء في اليد الأخرى.. لا نحيد عن أي منها قيد أنملة.. ولكل من يريد لهذا الوطن الشر والسوء نصدح بوجهه بأعلى الصوت، اليوم وغدا وبعد غد.. كلا لن تمروا.
حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا.. وحماه شعبا وأرضا وقيادة.