لم تكن زيارة الشريف حسين بن علي طيب الله ثراه خالية من الوفود ومندوبي الصحف العربية والاجنبية في عام 1924م في عمان ومن المقابلات الصحفية للتحدث عن النهضة العربية والتي كانت تشرح حال حقبة زمنية لجلالته طيب الله ثراه وكانت من أسس بناء النهضة العربية ومقومات تحرير الامة العربية من براثن الاستبداد العثماني في ذلك الوقت وقال: ساءت حالة الدولة سوءً عظيماً وانتهج بها حكاماً نهجاً غير مستقيم وخرجوا عن الشرع والدين والعدل خروجاً تشهد به اعمالهم وما آل اليه ملكهم وكنت متألماً أدرك سوء المغبة وأدلي لهم النصح فيأبون .ولكن كنت انتظر عليهم لعل نازلة من عند الله ترجعهم الى طريقه وما يفلح به عباده حتى جاءت الحرب الكبرى.
قبل الحرب بأسبوعين ارسل لي الانجليز مندوباً يؤكد لي دخول الدولة في الحرب ويسألني عن موقفي انذاك فأجبته صريحاً بأنه سيؤتمر بأوامر دينه وما يوجبه الشرع عليه وكرر المذاكرة لرجال الدولة بخطأهم في دخول الحرب لأن لا مصلحة لهم فيها وقال لهم بصراحة ان المجازفة بدخولهم القاء بالمملكة الى التهلكة لأن قوات الدولة لا تكفي للدفاع عنها ولأن اعدائها محيطين بها لانه لا داع مطلقاً لدخولهم وكررت التذكير الى ان قال لهم خيراً "اجمعوا عقلاء الامة وعلمائها واستشيروا في هذه النازلة فان افتوكم بالحرب كان ذلك عن عقيدة وعن سبب مستحكم في الامة والا اشاروا عليكم بما يدفع المحظور إن كان هاك محظور- من أيسر السبل اولى من هذه المجازفة الخطيرة !" على ان اولئك الرجال لم يسمعوا نصحاً وقادوا البلاد الى الدمار على غير ما طلبت ومع هذا كله لم أنشق عنهم بل حاربت معهم وتولى مساعدة العسكر باليمن وارسلت ابنائي للحرب في الشام.
فحاصر الحلفاء بلادنا مدة اربعة اعوام ومنعوا عنهم جميع الحاجيات حتى ضج الناس وهلكوا وبقيت انا واهل بيتي عامين ياكلون اليسير نأكل الدخن ولم يبق في الحجاز نقود لانقطاع التجارة والدولة لا ترسل لنا نقوداً اللهم الا(متاليك ) واوراقاً من بنكهم التي كان لا يقبلها احد. وكان الناس في هذا الكرب ينظرون الي نظرة المخلص حتى انزلوني مراراً من على حصاني ليسألوه كشف هذا الضيق من آي طريق.
اشتد الحصار علينا وتركتنا الدولة وكان عندنا 4آلاف جندي عسكري أمرتهم بالسفر الى اليمن .فطلبت من القائد بقائهم لانهم لا ينفعون هناك ونتضرر اهل الحجاز بخروجهم فأبى القائد طلبه وترك لي نحو 700 عسكري مجروح لا يرفع احدهم عصا!!.
ولم تكتف الدولة بما نحن فيه من البلاء، حتى لقد سبق ان ضربت العرب بالعرب تمكيناً لسلطانها فأخذت تنزل بهم سوء العذاب وتنقل أبناء سوريا وتقتلهم بلا شفقة ولا سبب وتبيع كل ما تصل اليهم يدها وكانت كتبهم تصلني مرقشة بدم القتلى فقل لي يا ابني ماذا كان في مكنتي مع هذه المصائب.
في هذا الوقت جائني الانجليز يدفعون الي بكتاب تعلن استقلال البلاد العربية من حلب الى بحر اليمن ومن البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر الى اخر حدود العراق شرقاً استقلالاً تاماً لا شائبة فيه واقرار بمملكة العرب ووعوداً بعزها واعادة مجدها.
فلم يسعني بعد هذا وهو يرى بلاده تموت واهلها يذبحون وان مصير الدولة العثمانية الى الهلاك – الا ان يعمد الى أخف الضررين فأعلنت استقلال البلاد وكان هذا اؤلى من أن أهلك اهلها والدولة معاً ولم أبقى لهم عذراً وقد طلبت من الترك رفع المذابح وتعهد ازاء ذلك ضمانات على ولائنا ان أودع عندهم الرهائن فأبوا !.
تسألني لماذا لم أبقى على الحياد بعد ان اعلنت الاستقلال ؟ فأقول اني كنت اهلك ايضاً لاننا كنا في كرب وكنا في شقاء من الترك ولم يراعوا فينا لا ذمة فلم يسعني الا ان اكون اخاً الشاعر : لا يسألون أخاهم حين يندبهم – في النائبات على ما قال برهانا
وهنا تحمس الملك تحمساً شديداً بانفعال بلع ريقه وظل يقول لم ابق على الحياد لأن اعمال الترك في ذلك الاوان كانت شراً من اعمال الكفار وهم كما قدمت لك من قبل خرجوا عن الشرع والعدل فكان اول الواجبات حربهم.
فقال احد الصحفيين :يا سيدي هذه حالهم كانت قبل الحرب ؟قال نعم ما تقول ولكن كنت – كما قلت لك – ارجو صلاحهم فلما برح الداء وظهر الخفاء ولم يبق الا البأس وجب القيام بما يأمر الشرع وقد اسحثني اكثر استحثات في هذا الوقت انهم لم يراعوا لنا اي عاطفة ولا جامعة ولا رحمة وانزلوا بنا سوء البلاء وعاملونا كأعدى الأعداء فأي انسان لا يسعى في هذا الاوان الى رفع الضرر عن نفسه.
تلك هي نبذة من تاريخ الهاشميين في تحرير الامة العربية ونهضتها من نير الاستعباد والعبودية واخراجها من الجهل والعبودية الى امة عربية حرة ذات استقلال وبناء ذاتي لهذه الامة . نعم لولا الحسين لما صرنا امة ولا صار لنا في التاريخ ذكرى.
هذه بعض من مقابلة الحسين بن علي في عام 1924 م في عمان للمندوبي الصحف للتحدث عن النهضة العربية ولم اتمكن من نشرها كاملة وذلك للثوثيق بعض الوقائع الهامة ونشرها.