عندما أقول أن الوطن ليس حقيبة، فذلك يعني أول ما يعني، أنه لا يسافر، ولا يمكن خطفه، وهو يعني بالضرورة أنه ليس لفئة دون أخرى، كما لا يجوز لك أن تحتكر الدين وتختطفه لتقيم حكم الله كما تشاء، وليس كما أراد الله، لا يحق لك أن تختطف الوطن وتقرر شكل الدولة التي تريد بعد قرن من تأسيسها وتطلب من الأغلبية أن تتبعك.
الأردنيون مختلفون على طريقة معالجة أزمة فيروس كورونا، البعض مع عدم الإغلاق، والآخر مع الإغلاق الجزئي، ومجموعة ثالثة مع الإغلاق الشامل، البعض يرى في التطعيم طوق النجاة، وآخر أن الحكومة فاشلة في إدارة الأزمة، ويرى صاحبه أن عدم التزام الشعب بتعليمات السلامة والتجمعات هي ما تسبب بارتفاع منحنى الوباء الذي تسعى الدولة إلى "تسطيحة".
ولا يخفى على أحد الأزمات التي يعيشها البلد، ولذلك لا يجوز للمثقف، - وأعتبر نفسي آخر اسم في قائمة المثقفين-، أن يضع رأسه في الرمل، ويدعي أنه لا يرى ولم يسمع، وأن يكتفي بمراقبة المشهد صامتاً. لا حياد ولا صمت عندما يتعلق الأمر بالوطن، ولا يحق للنخب الفكرية وأصحاب الرأي والحكمة، أن يظلوا صامتين، وعليهم أن يكونوا بالفعل قادة رأي في مجتمعهم.
وكما يختلف الناس في كورونا، بختلفون في قضايا تمس الدولة وأجهزتها وإدارة مؤسساتها، ويختلفون على الحكومات، وعلى الوزراء، ولكلٍ؛ من يقف إلى جانبه ويتفق معه، أو يختلف، ويختلفون على الأشخاص وطرق الخروج من الأزمات، يختلفون على كل شيء، وذلك حقهم، وأضرب مثالاً على حق الاختلاف، ما حدث في آخر استطلاع أجرته ألمانيا حول رأي الألمان في مسألة الإغلاق، وكانت النتيجة عدم وجود نسبة مرجحة، تفتت الأصوات بين يمين ويسار ووسط، ولكل رأيه، ولكن في النهاية تتخذ الحكومة القرار بناء على المصلحة، والمصلحة هدف الحكم؛ نختلف على كل شيء، إلا الوطن، ومصلحة الوطن، لا مصلحة فئك دون أخرى.
والاختلاف يجب أن يستند إلى أسس، وأن يكون للاختلاف سقوف، فلا يحق لأحد فصل مفردة الوطن، عن النظام السياسي، أو أن تقوم أي معارضة على مطالب فئوية، والاختلاف يجب أن يكون هدفه الوحيد الإصلاح، وخير وسائل الإصلاح؛ الحوار، والهدوء، والعقلانية، والتوازن بين الحاجات والإمكانات.
أقول؛ لا للإقصاء، ولكن لا لاحتكار الحكمة، ولا لادعاء امتلاك المعرفة، ولا للقفز فوق مسيرة، أسست دولة عميقة نحتفل بمئويتها.
لا لخطاب إعلامي منافق، ولا لمتسلق، ولا مزايدة، فالوضع لا يحتمل، أبداً لا يحتمل، ولا لدعوات بهدم المعبد، فالوطن للجميع، والملك رأس الدولة.
هناك أزمة حقيقية تستلزم مراجعة صادقة من الدولة أولا، ومن الحكومة، أي حكومة، أن تسمع، وأن تسمح بالاختلاف معها، وأن تسعى لتجسير الفجوة العميقة بين الحكومة -ليس فقط هذه الحكومة - والشعب، ولا أقول استعادة ثقة، لأنه لم يكن هناك ثقة، بل بناء ثقة تجعل المواطن يشعر بالثقة في أداء الحكومة، ولن يحس بذلك عبر تصريحات مسؤوليها، وإنما من خلال أدائها، وانعكاسه على حياة المواطن.
عندما تشتد الأزمات؛ يصبح الهدوء والعقلانية واستخدام الأخلاق، بوابة الحلول؛ نعم للاختلاف في الرأي، ولا للشقاق والنزاع وبث روح الفرقة، ونعم تحت سقف الدولة، ونظامها الراسخ.