رحلت السعداوي وبقي الشرق بخير
نور الدويري
23-03-2021 10:42 AM
لم أقتنع يوما بمنهج وفكر الراحلة السعداوي وأرفض المبالغة بالجدال حول الأمور الواضحة، إنسانيتي تحتم علي القول (الله يرحمها) فمن أنا سوى إنسانه شأنها شأن جنسنا الفاني والأناني يقتلنا فايروس لا يُرى بالعين المجردة، لا نقدر على دفع جبل، ولا نستطيع العيش على القمر ولا يمكننا الإقتراب من الشمس، طيرٌ بحجم الكف يهرب منا، وسمكة بلا جفون تلوذ بالفرار بسرعة تفوق الغطاس، ذكائنا لا يزال محدودا أمام عظمة خلق الكون وأسراره .
ليس إلا ...
السعداوي رحلت ... ذهبت... بمنهجها بفرضياتها الغريبة بصمودها بقناعات خالفت فيها الشرق، لكن الشرق بقي .
نشأت في أسرة شرقية الزواج فيها مربط مقدس، المثنى والثلاث والرباع حق لمن استطاع له سبيلا، ومن شبه المستحيل قبول الطلاق إلا في الشديد القوي حتى تكاد تقترب الزوجة من الموت بشهادة شهود على ثبوت إدانة الفرقة، ومن المستحيلات قبول علاقات المحرمة، ومراقبة مواعيد الدوام ونوع الأصدقاء والمأكل والملبس كان حاضرا في نشأتي مثلي مثل معظم نساء الشرق.
فالزوج مقدس حتى لو كان (فحمه ليجي الفرج) الأب طاعة حتى لو كان ( يضرب ليربي) الاخ لا إرادة بعد إرادته حتى لو كان ( عاطل بلا هدف) .
وحتى أكتب حد الإنصاف فالنساء لهن كيد وغرور وعن المثالية بعيدات فهن كالرجال تماما الخير والشر موجود ... لكن وازعا ما ... قناعة ما ... مبدأ ما ... يفصلنا عن أحد الطريقين فقط لنكون ميالين للأفضل أو للاسوأ ويبقى الخيار لنا .
لكنني لا زلت أختلف مع السعداوي ... فشرقنا لا يزال بخير .
رغم كل الفوضى ... كل الجدال ... كل المفاهيم المتحررة ... كل تعابير الحرية ... كل التساؤلات ... كل التعجب ... تبقى المسؤولية عامرة بيننا
ونعم المرأة تختلف عن الرجل ليس لأنها أضعف بل لأنها أكثر عاطفة، ونعم الرجل مسؤول لأنه بالفطرة أقوى بنية وأشد إحتمالا حتى لو كان لكل قاعدة شواذ !.
مخطأ من وصف المرأة ضعيفة فهي المكون الأساسي لتكميل صورة الرجل فلن ينجح بلا أمراة تدفع به، ولن يلد له ولي عهد بلا إمرأة، ولن يفخر بصلبه بدون تربية إمرأة، ولن يجد مؤنسا غير المرأة، ولن يجد جدليا يناصفه الغضب ... الحزن والفرح ... الحب والعشق ... المودة والرحمة سوى إمرأة.
العالم المثالي الذي تبحث عنه السعداوي غير موجود فالغرب سجل ضربا للزوجات وخيانات وخداعات وأكل ميراث ومكاسب تكاد تصنف بسلسلة جرائم ...
لا مثالية في أي مجتمع هذا فقط ما كان ينقص السعداوي أن تقتنع به.
وينقصنا التأكيد على أن الدين معاملة والنقد يحتاج لغة مؤدبة وأن الشهامة موقف في وقت ضيق لا تراجع عنه .
المجتمع الذكوري الذي ناهضته السعداوي فيه أيضا مكارم أخلاق حتى لو صارت عملة نادرة وفيه نساء تعز عليهن أجسادهن فلا يتمتعن فيها إلا حلالا وفيه رجال موقف وشهامة وفيه من يفزع للمريض والفقير والموجوع حتى لو كان فيه المدمن والمنافق والسارق والخائن والقاتل ... ونعم نرفض الشواذ ليس لقلة حيلة التحرر بل لأن الحرية مسؤولية .
نعم الشرق ليس مثاليا ولو أكتب في هذا الباب لأصدرات مجلدات تجلدنا وتكرمنا معا، ولكن الغرب ليس مثالي بالمطلق أيضا .
أختلفنا أم أتفقنا فالعولمة صنعت مجتمعات هشه ترى القشور ولا تدرك الجوهر ... وهذه مسؤولية من لا يترك الحق إلا ويعترف فيه .
فالكرامة الإنسانية رغم لغتها، فهي مطلقة الجنس لا تميل الى التذكير أو التأنيث .
أي علاقة الرجل بالمرأة تكاملية لا مساواة فيها ...
فيبقى الخير في أمتنا حتى يوم البعث .
رحم الله الإنسانية جمعاء الأحياء منهم والأموات وسخر لنا من نفوسنا ما يلومنا ثم يلومنا ثم يلومنا مضعفا الشر فينا حتى لو كان كلمة.