تدمير البنية العقلية (منذ الصغر)
عاطف الفراية
16-06-2007 03:00 AM
في الزمانات كان التلفزيون الأردني يبث للأطفال مسلسلا كرتونيا اسمه (التنّنين الصغير) تتلخص فكرته في أن التنين الصغير المسمى (غريسو) لديه عقدة من النار الأسطورية التي تخرج من فم التنين .. أدت إلى رغبة دائمة لديه في أن يعمل رجل إطفاء حين يكبر..
ولأني كنت (رجل إطفاء) في تلك الأيام فقد استهواني هذا العمل فرأيت حلقات منه.. تصور الطيبة والحب والحنان في تلك الشخصية الطفولية..لكن غريسو كان في نهاية كل حلقة يضطر آسفا لاستخدام ناره التي تخرج من حلقه لحل مشكلة ما .. أو الدفاع عن شخص ضعيف.. (أي لغايات الخير)..
المفاجأة.. أنني بعد مشاهدة إحدى الحلقات بساعات قليلة رأيت حلقة معلوماتية لشريف العلمي قال فيها : إن أول فرقة إطفاء في التاريخ تأسست في مدينة البندقية على يد تاجر يهودي يدعى (غريستوس) كان من طباعه حين يبلغ عن حريق في منزل ما .. أن يحرك العربات والرجال ويمتنع عن إطفاء المنزل إلا بعد أن يشتريه من صاحبه.. ولكم أن تتصوروا السعر الذي سيشتري به منزلا يحترق.. (بتراب الفلوس) ثم يطفئه ويصلحه ويبيعه بأرباح طائلة طبعا.. الوضع طبيعي بالنسبة لأخلاق اليهود.. بالنسبة لي غير الطبيعي هو أن يكون (غريستوس) هذا .. في مسلسل الأطفال أخذ اسم الدلع (غريسو) وأصبح داعية خير وحب!! وكنت في تلك السن مولعا بالاستنتاج والربط .. فغاظني ما تمارسه شركات الفن الذي يقدم لأطفالنا من تزوير للحقائق وتسريب فكر مغشوش في التربية التراكمية لدى الطفل العربي دون دراية ولا مراقبة من القائمين على الأمر الذين يشترون السموم المقدمة لنا بأموالنا ..
ولنقل إنني بعد ذلك نسيت هذا المثال أمام الواقع الأليم واتساع الشرخ في أشياء كثيرة جدا في حياتنا وتغلغل (ثقافة الغالب) في كل تفاصيل حياة (المغلوب) الذي هو نحن. وأصبحت قصة غريسو واقعا يوميا يجعلنا نرى أعداءنا في الهواء حين نتنفس..
ورغم هروب المثقف العربي من تهمة الإيمان بنظرية المؤامرة هروبا يجعله يستحي من الإشارة إليها حتى حين تمر أمام عينية معلنة عن نفسها.. فإنني أريد أن ألخص لكم ما جاءني من مصر عبر أحد أصدقاء الإنترنت هو الدكتور ياسر منجي .. حيث قدمت مجموعة تشكيل للإعلام والتي تأسست في الكويت عام 2004 الدعوة لطلاب الفنون التشكيلية لحضور مؤتمر صحفي في الإسكندرية بالترتيب مع مكتبتها الشهيرة للإعلان عن (أهم الأحداث الثقافية والفنية) القادمة على الوطن العربي.. وأول ما لاحظه صديقنا هو تعمد الدعوة لإغفال الأكاديميين والأساتذة المختصين.. والاكتفاء بالشباب والطلاب الذين أبهرتهم ترتيبات المؤتمر الباذخة.
وفي بداية المؤتمر.. قدم السيد (نايف المطوع) مؤسس ومنتدب الشركة نفسه بوصفه طبيبا في علم النفس السريري. وأردف بأنه كان مؤرقا طوال عمره بالكتابة للطفل العربي... ومن ثم فقد قرر أن يقوم بإيجاد مثيل لأبطال القصص المصورة غربية الطراز موجهة للطفل العربي بهدف ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر والاهتمام به، مقررا بالنص أنه من خلال خبرته الواسعة التي اكتسبها أثناء معالجته في مستشفى بلفو في نيويورك سجناء حرب سابقين وناجين من التعذيب السياسي تعرضوا للاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية والسياسية، اكتشف مدى خطورة اللامبالاة بمعاناة الآخرين وتأثيرها السلبي على المجتمع !!!.
لذلك أفاد أنه قد نجح في إبرام عقود شراكة مع أكبر ثلاث شركات عالمية متخصصة في إنتاج القصص المصورة الأشهر في مجال أبطال الخوارق؛ و هي شركة دي سي منتجة قصص سوبرمان و باتمان، و شركة مارفل منتجة قصص سبايدر مان و إكس مين و فانتاستيك فور و إنكريديبيل و هالك، وشركة آرتشي منتجة القصص الموجهة للمراهقين، ومن المعلوم للجميع أن هذه الشركات هي الأضخم والأكثر سيطرة على مستوى العالم من حيث إنتاج القصص المصورة وأفلام الرسوم المتحركة الأفلام السينمائية والمنتجات الدعائية والدمى الخاصة بالشخصيات السابق ذكرها والتي تصب جميعا في نطاق فكرة البطل الخارق الذي يحارب الشر وفقا لاشتراطات المجتمع الغربي الرأسمالي مع غزارة إسقاطاتها التي تحيل إلى الثقافة اليهودية في بعديها الصهيوني والغيبي الذي يؤسطر مقولة الجنس المختار والمخلص اليهودي.
وقد أثمرت الشراكة المبرمة بين هذه الشركات ومجموعة تشكيل للإعلام - التي وصفها بكونها شركة مساهمة كويتية تضم أربعة وخمسين مستثمرا من ثماني دول عن إعطاء الحق للشركة الكويتية في نشر وترجمة وتعريب منتجاتها سابقة الذكر بكافة الوسائل الإعلامية من مطبوعات وأفلام وغيرها في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
ثم أفصح الدكتور عن أن المشروع الأكبر للمجموعة يتمثل في نشر قصص مصورة باللغة العربية ولغات أخرى يدور محورها حول تسعة وتسعين بطلا مسلما خارقا تتوزع جنسياتهم على دول العالم و يستقون أسماءهم وصفاتهم من أسماء الله الحسنى وصفاته !!!!!
فتجد بطلا على سبيل المثال يدعى جبارا وآخر يدعى جامعا وثالثة تدعى نور... وهكذا ..وقد قام مصمم ورسام أجنبي يدعى "دان بانوسيان" - و هو رسام ذو خبرة في رسم قصص باتمان و إكس مين - بتصميم شخصيات التسع وتسعين بطلا عربيا !!! كما يقوم رسام آخر يدعى "جون ماكري" برسم قصصهم!!! والأدهى من ذلك أنه برغم تصريح الدكتور السابق بكونه كاتب القصص إلا أنه عاد وقرر أنه يقوم بذلك بمساعدة الكاتب "فابيان نيسيزا" أحد كتاب باتمان و سبايدرمان !!!!.
وفكرة قصص ال99 خارقا تبدأ من اجتياح المغول لبغداد وتدميرهم لمكتبتها؛ حيث قام من أسماهم باسم)حراس الحكمة القديمة - وهي تسمية لا يخفى ما تحيل إليه من تداعيات سحرية و توراتية ) - بتهريب 99 حجرا تضمنت أسرار الحكمة والقوة والمعرفة إلى الأندلس، حيث فقدت مع الزمن ليعثر على كل منها أحد شباب المسلمين في العصر الحديث ويحوزوا بمقتضاها على القوى الخارقة.((لا ينسى خميس بن جمعة هنا أن يتذكر ألواح موسى التي تضم تعاليم اليهودية))
بعد زيارة الموقع الإلكتروني للشركة والاطلاع على التفاصيل أتساءل مع صديقنا الدكتور ياسر المنجي عن مجموعة من الدلالات تتلخص في الآتي:
ما دلالة أن تقوم هذه الشركات العملاقة بعقد مثل هذه الشراكة الضخمة بمليارات الدولارات في هذه المرحلة بالذات، وهي الشركات التي كانت تتعامل بالتعالي مع المنطقة العربية بأسرها مخرجة إياها من حسابات أسواقها و توجهاتها ؟
ما دلالة أن يقوم بتغطية المؤتمر الصحفي و تتبع أخبار الشراكة كل من النيويورك تايمز، تايم، البي بي سي، رويترز، هيرالد تريبيون، سي إن إن، الواشنطون بوست و غيرها من كبريات الوكالات و شركات الإعلام الضخمة بشكل يومي مكثف ؟
ما دلالة أن ترتبط الشخصيات برموز بصرية مستقاة من عالم السحر و عبادة الشيطان و القبالة اليهودية - كأن ترتبط "نور" بشكل النجمة الخماسية المرتبطة بالسحر الشيطاني الذي يحيل إلى ملاك النور أحد أسماء الشيطان قبل سقوطه في المرجعية الغربية؟ وما معنى أن يأتي تصميمهم وألبستهم على نسق أبطال الخوارق الغربيين ؟
أهو (مجرد)الخنوع للإنتاج الضخم و سلطة الأموال العابرة للقارات ؟
يجيب خميس: بل هو قدرة (ثقافة الغالب) على اختراق (بنية عقل المغلوب) بأموال المغلوب!!!!
وهناك شرح للشخصيات ال99 في موقع الشركة على الشبكة
http://www.teshkeel.com
رسالة الصديق د.ياسر المنجي أعادت إلى ذاكرتي تفاصيل شخصية صديقي التنّين غريسو.. قبل أن أتعرف ب(خميس بن جمعة.) وأعتزل الإطفاء.
Amann272@hotmail.com