ماكينة الاعلام اليوم تقودها وسائل التواصل الاجتماعي وتعكس بجميع الأحوال الحالة العامة والهم العام والاهتمامات المشتركة للناس ويُعبّر عن مدى اهمية الخبر بعدد النشر والمشاركات من قبل الجماهير، ما تسبب في غياب للقدوة والنموذج وإطاحة بكل المفاهيم البنيوية السابقة التي كنا نسعى لترسيخها وأعتقد جازمًا بأن التكنولوجيا الحديثة قد غيرت السلوك الجمعي للناس واخترقت كل التحصينات الاجتماعية التي وصلت الينا من الاجداد وحاولنا بفترات سابقة لوسائل التواصل ايصالها الى أبنائنا.
لست ضد الاعلام الرقمي الحديث ولا املك الشجاعة لان أقول بأنني أستطيع أن أهجره أو أتخلى عنه وكذلك الاغلبية، الا انني أشعر بالإحباط عندما أرى ابناؤنا وهم يتابعون أشخاص على هذه الوسائل يحصدون ملايين المشاهدات والمتابعات ولا يملكون ما يقدمونه أصلًا، فالامر لا يزيد عن عرض لبعض الحركات السخيفه التي ليس بها مهارة ولا معرفة، وآخرون ينقلون لنا أحداث حياتهم اليومية كما هي وبلا أي قيمة أو إضافة وهناك نوع ثالث يتحدث ويجعجع ويقهقه ولا يكلف نفسه أن ينقل ولو معلومة واحدة مفيدة.
اليوم انا وانتم وكل شخص يدرك بأننا وابناؤنا نسير نحو المجهول وبأن هؤلاء الأشخاص هم من يقودون الركب وهم من يأخذون بأيدي أبنائنا للمستقبل أدواتهم يوتيوب وتك توك وفيس بوك وانستجرام وغيرها من ادوات الوهم والضبابية التي سيطرت على حياتنا وافرغتها من المعنى الحقيقي وواقعيتها.
بطبيعة الحال سيسأل البعض ما العمل وهل نستسلم أم لدينا أمل بالتغيير، اليوم المهمة الأولى ومع تراجع دور الدولة التقليدي مناطة بنا كآباء وأسر ويجب علينا أن ندرك بأننا امام تحديات أصعب بكثير من الماضي القريب وبأن الإبقاء على ابنائنا في البيوت درءا للمشاكل وخوفًا من الخارج ما عادت تُجدي نفعًا بل أصبحت وأمست مشاكلنا في الداخل ولا مفر من مواجهتها والتقليل قدر الإمكان من آثارها وهذا ممكن بالمراقبة المقننة والتوجيه الايجابي ومحاولة التخلص من الإدمان الرقمي.
كما أن الدول وأين ما كانت يجب أن تدرك بأن مفهوم المواطنة قد بدًا بالتزعزع وإذا لم تبادر الحكومات الى ضبط التدفق الرقمي اللامحدود واستخدام ادوات عصرية حديثة تتوافق مع رغبات هذا الجيل فإننا سنصل الى ذلك اليوم الذي ستصبح فيه المواطنة حالة هلامية فضفاضة عديمة القيمة وفارغة المحتوى.