بمريول أزرق وجدولة طويلة مذيلة بشبرة بيضاء ،عيونها اللامعة الصغيرة تفيض بالحماسة ولم تنم جيدا تلك الليلة ومع أول خيوط الشمس ملئت البيت بالحركة من اجل اتمام التجهيزات للاحتفال الأغلى.
مراجعة الكلمة والتأكد من حفظ القصيدة ..كل شيء جاهز ،يمكنك سماع دقات قلبها من كثر التوتر ،نظرت من خلف ستارة القماش لترى جموع الأمهات الفرحات ، تنهيدة اطمئنان عميقة غمرتها عندما لمحت ابتسامة أمها ووجها النوراني بين الجموع ، انه موعد احتفال المدرسة السنوي بعيد الأم ..عيد الأعياد ..وقفت في المنتصف وبيدين ثابتتين امسكت بالورقة . عيونها البراقة كانت تخاطب الحضور مباشرة ..حفظت الكلمات والقصيدة غيبا لا تحتاج الورقة سوى لتقليل التوتر ..صدحت حنجرتها الصغيرة بصوت معبر ..أمي ..أمي ..معلمتي ..وأمي .علا التصفيق في الساحة المزينة بالاعلام ..فاجئتها زغرودة احدى الامهات وذهبت بها الى سماء الفرح صيحات الوالدة الفخورة ..أكتملت المهمة بنجاح وانطلقت الى حضنها بدون تفكير ..غمرتها لتمنعها من رؤية دموع الفرح في عيونها
تلك الصغيرة ..التي احدثكم عنها ..هي ببساطة أنا..أخبركم عن تلك الأيام المليئة بالبركات كان فيها عيد الأم يأتي ببهجة ..تغمر كل بيوت الحي في قريتي الصغيرة.
قوالب الكيك الشهية بلا زينة وبهرجة..صواني الهريسة والبسبوسة .مهلبية وغريبه ومعمول ..تبولة و وغيرها الكثير من الاطباق ..حضرتها الامهات بحب مختلف لمناسبة مختلفه ..عيد الأم في مدرستي ..كان أشبه بمهرجان سينمائي دولي أبطاله طالبات ومعلمات وأمهات وجدات ..توزع جوائزه على صورة شيكات مفتوحه من الحب والكل فائز.
دحنون أحمر واقحوان أصفر وأبيض تزين الموائد في المعرض هناك في غرفة صفية ..أثواب مطرزة وأشغال من الصوف ..لوحات كرتون وصواني القش ورسومات كلها تعرض هناك ..ليست للبيع فقط للابتهاج ..هنا ..لا مكان للجاحدين ..احتفال بلا كاميرات وهواتف ذكية ..بلا أكاذيب وزيف ..بلا صور مفلترة و عطور فرنسية ..بلا سيارات للتباهي ..كل الحي فرحان .. الأفواه الصغيرة تغني لتملئ صباحات آذار بدفئ وطمأنينة.
ذات عيد أم ..
لا يشبه احتفالات أولادي بعيدي
اليوم ..احتفالاتهم حزينة بائسة ..بلا قبلات ولا ورود من خلف زجاج شاشات جامدة..بلا معلمات ومريول أزرق ..بلا حماس ولا انطلاق ..جميعها مكشوفة البرامج معروفة النهايات ..صور بلا مشاعر تملئ صفحات الفيسبوك...تم تحريرها ..لأمهات تجملن وتأنقن من أجل الصورة لاغير ..من أجل أصدقاؤ ومتابعين الابنه .
هدايا كثيرة..علبها فارغة من الدفئ ..أثمانها مرتفعه ولكنها لا تنافس جمال دحنوناتي قطفتهن بشوق لأمي ..لتخفيهن تحت مطوى الفراش خوفا على فراخها البياضه من الامتناع عن البيض.
عيد الأم في زمن كورونا وأزمتها ..ويلات وفقدان ..بعد وقلق.
عيد الأم..عيد الأعياد ..يعود علينا كل سنة..ليضعنا مواجهة أمام تقصيرنا بحق أمهاتنا ويلوي ذراع كل مقصر أو مقصرة في مرضية والديه.
ختاما كل عام وأمي وكل أمهات الكون بألف خير.
صلواتنا للعلي القدير أن يحفظ الأمهات والآباء ويبعد عن البشرية شر هذا الداء