استهلال ايجابي لوزير التربية والتعليم العالي
أ. د. انيس الخصاونة
21-03-2021 01:26 AM
طالعتنا الانباء باقرار مجلس التعليم العالي للنظام المقترح لتعيين رؤساء الجامعات الاردنية الرسمية تمهيدا لعرضه واقراره على مجلس الوزراء. وفي الوقت الذي نعتقد فيه ان الحكومة تعطي أولوية قصوى لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وخصوصا في ظل الارتفاع الحاد في عدد الاصابات ونسب الايجابية فيها، فإن قيام مجلس التعليم العالي ورئيسه بإعطاء اسس تعيين رؤساء الجامعات هذا الاهتمام يعكس توجه مقدر ويصب في معالجة اختلالات عميقة في هذا المجال.
تجاربنا السابقة في تعيين رؤساء الجامعات تشير إلى اخفاقات ونقاط ضعف كبيرة لم تساعدنا على افراز قيادات كفؤة لتوجيه دفة مؤسساتنا الاكاديمية. قبل أربعة عقود من الزمن كانت آلية تعيين رؤساء الجامعات تتمثل باختيار مجلس التعليم العالي لأحد اعضاء الهيئة التدريسية المشهود لهم بامتلاك المهارات القيادية والاكاديمية والتنسيب به لمجلس الوزراء لتعيينه رئيسا لإحدى جامعاتنا الرسمية. معظم الاختيارات كانت إيجابية وناجحة حيث ان اكثر من ثلثي الرؤساء الذين كان يتم تعيينهم وفق هذه الطريقة اسهموا فعلا في النهوض بادوار معتبرة في ادارة الجامعات ومعالجة مشكلاتها.
في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم ومع عودة الانتخابات والحياة الديمقراطية دأبت الحكومة على تغيير آلية اختيار رؤساء الجامعات حيث ادخل مبدأ الاعلان والتنافس على هذا الموقع الاكاديمي المتقدم، وخصصت أسس تعتمد على عدد بحوث المتقدم، والمشاريع الدولية التي انخرط بها، وبراءات الاختراع، وخبرته في المواقع القيادية الجامعية مثل رئيس قسم وعميد ونائب رئيس. والحقيقة انه وعلى الرغم من المظهر الديمقراطي للطريقة التنافسية المفتوحة لاختيار رئيس الجامعة، فإن واقع الحال والنتائج لهذه الالية لم تكن ناجحة في كثير من الحالات، لا بل، كانت مفجعة وموجعة في بعضها.
في نقاش مع احد رؤساء الحكومات السابقين اخبرني بأن التعيين وفق الاسس التقليدية السابقة والتي تعتمد الاجتهاد في اختيار شخصية اكاديمية تجمع العلم والقيادة والرؤيا كان يفرز نسبة اكبر من القيادات الجامعية الناجحة، وبتقديره فإن ٧٠% من رؤساء الجامعات كانوا يمثلون اختيارات سليمة ومناسبة، في حين ان آلية التنافس وعدد البحوث المنشورة والمقابلات سجلت ٧٠% من حالات الإخفاق وعدم الملائمة في الاختيار لموقع رئيس جامعة.
اختيار رئيس الجامعة يمثل اختيار لقائد لمؤسسة اكاديمية وتعليمية وبحثية ومؤسسة خدمة مجتمعية، وعليه فإن ذلك يستدعي بالضرورة اعطاء وزن كبير للمهارات القيادية والنزاهة والقدرة على اتخاذ القرار.
الجامعات معاقل الفكر ومعتكف العلماء والباحثين، وهي ذات المعامل التي يتم فيها صياغة الفكر وصقل شخصيات واتجاهات ابنائنا الطلبة بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل والثوابت الوطنية. بعض رؤساء الجامعات ممن لهم سجلات غنية بالنشر العلمي والذين تم اختيارهم وفق الأسس التنافسية المفتوحة اخفقوا اخفاقا كبيرا في ادارة جامعاتهم نظرا لافتقارهم للقدرات القيادية والادارية، اما البعض الاخر فإن افتقارهم للنزاهة والاستقامة تسبب في اذى كبير لمؤسساتهم. لا اعلم مدى فائدة أن يكون رئيس الجامعة لديه عدد كبير من الأبحاث المنشورة في مجلات عالمية ذات معامل تأثير كبير (High Impact factor) فنحن والحالة هذه نبحث عن باحث كفؤ وليس رئيس جامعة، فما الذي سيفعله رئيس الجامعة بأبحاثه بعد أن يتم اختياره ويبدأ بممارسة عمله وسط جداول أعمال يومية مزدحمة، وأكداس من البريد الذي يحتاج إلى توقيع، ورئاسة وعضوية مجالس ولجان متعددة، ورعاية فعاليات جامعية متكررة؟. وما الذي ستفعله البحوث هذه إذا كان البرنامج اليومي لرئيس الجامعة يزدحم باستقبال الضيوف والوفود، وافتتاح الفعاليات، وقص الاشرطة، والاجتماعات الرسمية! ما الذي يمكن ان تفعله عدد المشاريع الدولية التي شارك بها رئيس الجامعة اذا كانت تعوزه القدرة على اتخاذ القرار، ويفتقر الى الشجاعة في تطبيق القانون وحل المشكلات! لا يكفي ان يكون المرشح لقيادة جامعة رسمية فيها المئات واحيانا اكثر من الف حامل للدكتوراه واداريين، ان يكون طيبا ومحترما وباحثا كفوء، اذ ان كل هذه الصفات وعلى اهميتها تبقى قاصرة عن اختيار قائد للمؤسسة الجامعية في غياب الكارزما والقدرات القيادية والنزاهة السلوكية.
اختيار رئيس الجامعة والمعايير التي نضعها لتنظيم هذا الاختيار يعتمد على ماذا تريد الدولة من رئيس الجامعة، ومن هو الرئيس الذي تريد؟ هل تريد رئيس خبير، أم رئيس بيروقراطي، أم زعيم سياسي، أم مدير تنفيذي يسير الجامعة ويحافظ على استقرارها وهدوئها؟ كل ما أشير له من معايير لا تضمن انتقاء واختيار رئيس جامعة "قائد" يسير في الجامعة نحو التطور، ويرتاد آفاقا جديدة، ويحلم في نومه ويقظته بالأفكار الخلاقة التي يمكن أن ترتقي بالمؤسسة الجامعية.
نأمل أن يتضمن النظام المقترح لأسس تعيين رؤساء الجامعات الرسمية وزنا حقيقيا للاعتبارات القيادية إضافة إلى أوزان ملائمة للجوانب الأكاديمية والنزاهة السلوكية، ونؤكد هنا على أن وضع مثل هذا النظام على قدر كبير من الأهمية إذا ما ترافق ذلك مع التطبيق الجيد البنود وفقراته. نحيي هذا الجهد وهذا المسعى الذي يشكل استهلال مقدر لوزير العليم العالي والبحث العلمي...