شهوة التفكيك وصناعة الفوضى…
د. صبري ربيحات
21-03-2021 12:22 AM
العالم العربي الذي دخل القرن العشرين مفككا إلى كيانات ودويلات صغيرة ومحدودة القوة والتأثير يشهد موجة جديدة من الفوضى وانعدام الوزن بعدما اصبحت العديد من الكيانات على حافة التلاشي والاندثار. في العراق وسورية والسودان وليبيا واليمن هناك مشكلات عميقة اصعب من ان يتفق الاطراف على الخروج منها وفي مجتمعات عربية اخرى جرى التراجع عن الكثير من الانجازات والاحلام التي صاغها القادة والزعماء إبان مراحل النضال وبعيد الاستقلال الشكلي لها.
الفشل العربي في بناء الدول الحديثة والاصرار على استعارة أشكال البنى السياسية والاقتصادية الحديثة وتهجينها داخل أنظمة أبوية تقوم على فكرة القائد الملهم الموهوب أضعف البنى وأربك المسيرة وولد التناقض والهشاشة التي أعاقت مسيرة البلدان نحو الحداثة والتجديد. من يستمع للتقارير والروايات ونشرات الاخبار التي تقدمها الاجهزة الاعلامية الرسمية في البلدان العربية يحسب انها تجاوزت القوى العظمى في القوة والرفاه والاستقرار في حين لا تزال الشعوب العربية تعاني الكثير من التهميش والاحباط وانعدام الفرص والتشويه والتعدي على الحقوق.
من وقت لاخر يتطلع بعضهم في العالم العربي الى القوى الغربية مخلصا وداعما وراعيا محتملا للتغيير والتحديث في بلدانهم . من فرط اليأس يراقب العرب الانتخابات الرئاسية الاميركية وتصريحات الرؤساء لاستخلاص مؤشرات حول ما قد يحدث في بلدانهم باعتبار ان التأثير الخارجي هو العامل الاهم والاقوى في تحديد ما قد يحصل على الساحات الداخلية .
الافتراض بان الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي مهتمون بنشر الديمقراطية واعادة بناء العالم افتراض غير منطقي ولا يوجد ما يؤيده على الارض. فالنظام الغربي قائم على الفردية والمنافسة وهو لا يكترث ولا يعنى الا بمصالحه الذاتية. في كل المجتمعات الراسمالية وغير الراسمالية تنشغل الأمم بتعريف مصالحها واهدافها وتعمل على تحليل البيئة والمحيط والمجالات التي تنشط ضمنها بهدف التعرف الى الفرص وتحديد المخاطر. الاعتقاد الذي يعشش في عقول بعضهم حول تبني الغرب لمفاهيم وثقافة حقوق الانسان وتحرير الشعوب يستند الى قراءات سطحية للتصريحات والبيانات التي تصدر عن الدوائر الغربية من وقت لاخر . الغرب لا يكترث كثيرا لاوضاع الشعوب والامم الاخرى الا بالقدر الذي يتوافق مع الرؤى والمصالح القومية له .
في هذه المجتمعات لا مكان للرغبات والاهواء الفردية للقادة والرؤساء فهناك مصالح قومية معرفة تستند الى فهم وتحليل لطبيعة العالم ورصد ومتابعة للتغيرات تقوم عليه المئات من مراكز الدراسات والتنبؤ المشتملة على افضل العقول والخبرات في ميادين البحث والتخطيط والامن والاقتصاد والسياسة تسندهم جيوش من العملاء والمخبرين والاصدقاء المنتشرين على خريطة العالم فلا شيء يترك للصدفة ولا مساحة للخطأ ولا احد يسمح لاحد بالمغامرة والارتجال .
بذرائع الصداقة والدمقرطة وحقوق الانسان والتنمية والمساعدات تدخل القوى الخارجية الى البلدان والمجتمعات غير المحصنة امنيا وفكريا واستراتيجيا وتتعرف من خلال الاعوان والاصدقاء والعملاء على البنى السياسية والحزبية والقوى الاجتماعية والاقتصادية ونقاط الضعف والخلاف وتلعب على تغذيتها وادارتها والتحكم بها اوراق لضغط من اجل تحقيق مصالحها .
ما لم تتجذر الديمقراطية وتتسع دائرة المشاركة وتسود العدالة فلا امل في ان يحدث الاستقرار وتتحقق المصالح ويعمل الجميع على خدمة الوطن . الانقسامات التي تجري على امتداد الفضاء العربي تعبير عن حالة الفوضى والتفكك وعدم الرضا عن الترتيبات التي تعتمدها البلدان في ادارة شؤونها تحت مسميات لمؤسسات شكلية لا علاقة لها بالمؤسسات التي يتطلع الجميع لحاكميتها وادائها .
الغد