لم يعش الشعب الأردني رغد العيش ليحتل موقعا متقدما على مؤشر السعادة ليس في العام الحالي وحسب، بل لسنوات عدة ماضية نتيجة عوامل عدة منها الاقتصادي والاجتماعي والصحي، ولن نتناول السياسي، مناسبة الحديث بعد أن احتلت المملكة المرتبة السابعة والعشرين بعد المئة للعام الحالي من بين 149 دولة شملها "استطلاع السعادة".
المفارقة أن الأردن يسجل تراجعا ملحوظا في مؤشر السعادة بعكس التقدم المتسارع في حجم المديونية التي يسجلها عاما بعد آخر، إلى أن وصلت إلى مستويات قياسية زادت عن الخمسين مليار من الدولارات، نتيجة مباشرة لسياسات الحكومات المتعاقبة، وتفرد كل منها في كيفية إدارة موارد الدولة، في ظل غياب رقابة ومساءلة السلطة التشريعية وعدم اعتماد خطة وطنية حقيقية تكفل تحسين مستوى معيشة المواطن والارتقاء بمستوى الخدمات، فكل واحدة تأتي ترفع من حجم المديونية وتغادر، لتأتي أخرى تنفذ مهمتها "بنجاح" وتقفز بالمديونية إلى مستوى أعلى، إلى حد بات يشعر فيه المواطن أن هناك سباق وتناحر بين الحكومات في تسجيل حد أعلى من المديونية.
لا نريد الخوض في التفاصيل وكم من الحكومات المتعاقبة أسهمت في ارتكاب خطيئة تراكم المديونية، ما يعنينا هو مدى حجم سعادة المواطن الأردني حين يعرف أن المديونية زادت عن الخمسين مليارا، وتداعيات هذه المديونية المرتفعة على مستوى ونوعية الخدمات التي تدنت إلى مستوى ملفت ومدى انعكاسها على تعثر الدولة القيام بالتزاماتها تجاه مواطنيها.
بيد أن المديونية التي ترزح تحت وطأتها المملكة لا تتفرد بإضفاء أجواء من الكآبة على جموع المواطنين، إذ أن هناك منغصات وغصات لا يمكن بأي حال تجاوزها، من بينها الارتفاع الملحوظ في معدلات الفقر والبطالة أسهمت في إنتاج حالة من عدم التوازن والدخول في دوامة جرائم دخيلة على مجتمعنا وانكماش المداخيل في ظل موجات طاولت أسعار السلع والمعيشة برمتها، ورحيل آلاف الشركات وتسريح موظفيها وعجز أخرى عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه عامليها.
لا يمكن الربط بين ما وصلنا إليه من تراجع على مؤشر السعادة وجائحة كورونا، بكونها وباء اجتاح العالم بأسره، فالسر يكمن في الوصفة التي أفقرت اقتصادنا وفاقمت مديونيتنا التي لم تنعكس إلاّ بطالة وعوزا وحاجة، في ظل غياب المعايير الموضوعية وتكافؤ الفرص والانتقائية بين المواطنين، مما كرّس عدائية في علاقة المواطن بحكوماته بعد أن فشلت في إمكانية إنارة النفق الذي انقطع عنه تيار التفاؤل ووسم بانعدام الثقة.