"إن لله جنودا ... إذا أرادوا أراد"
في يوم الكرامة تاهت الأرض تحت سراتها .. وشاع الهوى على ضفتي النهر.. وغنى شجر الدفلى.. وكانت الخيل تجمح في الصدور وتعدو في الآفاق.. وقد طاب اللقاء.. وطابت المنازل.. فكان بكر الندى في ذلك الصباح الأردني .. يصعد فيه الشهداء بعد أن رَوَوا أرضه عطراً ودماً.. في ذلك النهار وهبت الحياة نداها وعلا نشيدها .. وهشت الربوات شذى وطيبا.
وفي ذلك اليوم سجل التاريخ أن الأردنيين على كرامةٍ وعزّة، وسجّل في أسفاره، أن الكرامة، والسويمة، والرامة، والكفرين، قرائن أفعالٍ خارقة، أظهرها الله على أيدي نشامى الوطن، فمنهم من تنسّم عبير الجنة، وزفّته ملائكة السماء في مواكب أحبة الله، فاصّعدت أرواحهم الطاهرة إلى باريها... فكانت كوكبة الشهداء: مصطفى الترك، ناصر الخوالدة، عواد علي، حسني حسين، سليمان خليل، حامد اللصاصمة، حميد صدف، محمد الرقاد، سليم محمد، علي بخيت، محمد محمود، نابل سلمان، اشتيان الصرايرة، مسلم المطارنة، محمد سالم، كريم الزيود، خضر يعقوب، وعبدالله مسلم.
وفي ذلك اليوم سجلت المعجميات القديمة أن الرامة تعني المكان العالي، تخيّره الأبطال الأردنيون قرينة نصر وشهادة، فكان لهم ما أرادوا من نصر وكان لهم فيها اقتراب الجنة، وصحبة شرحبيل ومعاذ والجراح، وكان اللون لون الدم والريح ريح المسك، وتنزلت ملائكة السماء مددا مُردفين ... تاق أهل الكرامة لرؤيتهم ... فكان لهم ما أرادوا! عندها سام الأبطالُ الأردنيون الأعداءَ في السويمة مُر العذاب، وظل ملح أرضها يذكي جرح الهزيمة وخيبة الرجاء للمعتدي إلى يوم الدين.
أيتها الكرامة ... يا ساح الرهان .. ومشهد روع العدا ... ومدى النيران .. وذروة الحلم ... فيك تهادينا الشوق والقبلا .. وقد عبرت كتائب النصر وهي تنتضي السيوف وتعلي هامات الرجال تطوي السهول وتفتدي الحمى.
أيتها الكرامة.. يا تَوقَنا لعبق البارود... وقصص النصر الخالدات.. فحينما تنسم الشهداء فيكِ اقتراب الجنة.. صار النهر يطفح كوثرا ... واصطفت الملائك للصلاة ... فكان يوم نحر ... وانقطع دابر الشانئين... فحين شاءت الكرامة أشاعت في والنجود والأغوار، أن الكلمة في ساح الوغى وطن ... وأن الموقفَ بابُ العالمِ لإحدى الحسنيين. ففي صباح الحادي والعشرين من آذار الخير نادى المنادي أن يا خيل الله اركبي، فلبى نشامى الجيش العربي النداء... يتقدمهم الحسين، طيب الله ثراه، وقد ظل رجع نِداه في الليلة الأخيرة من عام سبعة وستين ملء الأسماع: ... إن لله جنوداً إذا أرادوا أراد.