٢٤ آذار .. بين حرية الرأي وحق الحياة
اللواء المتقاعد مروان العمد
20-03-2021 04:20 PM
قبل ان اتحدث عما يتم الاعداد للقيام به في هذا التاريخ وخطورته فأنني اريد ان اعود بالزمن عشر سنين الى الوراء عندما اندلع الربيع العربي واشتعل في العديد من الدول حولنا وخلّف وراءه دماراً وخراباً لا يزال قائماً حتى الآن . وقد سعى بعض الاردنيين لنقل هذا لربيع الى شوارعنا وان كان على شكل مسيرات واعتصامات مكوكية ما بين المسجد الحسيني وميدان النخيل على الاغلب ، شارك فيها خليط من الاردنيين بعضهم ينتمي الي حركة دينية سياسية كانت قد ظنت ان الربيع العربي هو فرصتها لتحقق ما تسعى لتحقيقه منذ عشرات السنين والقفز لمقاعد السلطة وبمباركة اصحاب نظرية الشرق الاوسط الجديد . وبعضهم تحت مطالب الاصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد . وبعضهم رفع شعارات اسقاط النظام دون ان يكون لديه بديلاً عنه وانما على الاغلب لتقليد الشعارات التي رفعت في ميادين الربيع العربي الأخرى . الا ان وعي النظام واستخدامه اسلوب الامن الناعم ووعي الشعب الاردني الذي تمسك بقيادته واستقراره ، وما آلت اليه احوال الدول التي اندلع بها هذا الربيع وسقوط نظام حكم محمد مرسي في مصر قد افشل هذا التحرك بالتالي فشل الربيع الاردني ، وفشل الربيع العربي بمجمله بعد تخلي داعميه عنه وخاصة الادارة الديمقراطية للولايات المتحدة الامريكية في ذلك الوقت والتي كانت من كبار داعمي هذا الربيع . الا ان فكرة هذا الربيع لم تبارح مخيلة فرسانه في انتظار الفرصة المناسبة للعودة الى حراكهم هذا . ثم جاءت ادارة الجمهوري دونالد ترامب والذي سلك في سياساته بالمنطقة مسلكاً اخر بعيداً عن اسلوب الربيع العربي .
ومع اقتراب انتخابات الرآسة الامريكية في نهاية العام الماضي ، وعندما اخذت استطلاعات الرأي تشير الى عودة الادارة الديمقراطية الى صدارة المشهد ، فقد تم ملاحظة نشاطاً واضحاً لبعض انصار هذا الربيع في الاردن وذلك من خلال تبشيرنا بقرب انطلاقه من جديد في جولة رابعة وحاسمة ومهما كان الثمن قاسياً ومريراً حسب تعبير بعض اقطابهم .
وعندما عادت هذه الادارة الى البيت الابيض مطلع العام الحالي شعرت هذه المجموعة بأن فرصتها قد لاحت وانها اقتربت من تحقيق اهدافها فزادت من حملتها ودعواتها لهذا الربيع . الا ان هذه الادارة الديمقراطية الجديدة اعطت اولويتها لاصلاح الاضرار التي تسببت فيها ادارة ترامب في داخل اميركا وخارجها واعطت اشارات انها سوف تتبع الوسائل الدبلوماسية والديمقراطية لتحقيق غاياتها في منطقتنا العربية او على الاقل هذا ما بدا منها .
وقد ساند هذه المجموعة في دعواتها عدداً من المسؤولين السابقين والذين كانوا يبحثون عن طريق تعيدهم الى مقاعدهم ونفوذهم ، وآخرين يبحثون عن مناصب لم يدركوها بعد . .
وقد وجدت هذه المجموعات في وباء كورونا وما نتج عنه من اعلان قانون الطوارئ وفرض اغلاقات كلية وجزئية واغلاق للمنشئات الصناعية والتجارية والخدمية وفرض استخدام الكمامات والتباعد الجسدي وفرض غرامات على مخالفي هذه الاوامر والتعليمات وما ترتب على ذلك من اوضاع اقتصادية وصحية صعبة وبطالة متزايدة ، فرصة لهم لاستغلال عدم رضى شريحة واسعة من المواطنين عن هذه الإجراءات وانتقادهم لها وخاصة مع حالات التخبط الحكومي في التعامل مع هذا الوباء ، للتحريض على الحكومة والدولة الاردنية وحتى على النظام .
كما ترافق مع هذه التحركات وهذا الوباء تحركات دولية لفرض حلول للقضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن التي وقف منها الاردن وجلالة الملك موقفا رافضاً ومعارضاً لبنودها مما ادى في النهاية الى دفنها وقبل ان يجف عرق ترامب ونتنياهو من رقصة النصر عشية توقيعها واعلانها . ونتيجة اصرار الاردن على دوره في حماية الاماكن الدينية في القدس بموجب الوصاية الهاشمية عليها والتي حاول نتنياهو استدراج عروض عربية واسلامية لكي تقوم بهذا الدور ، ولرفض جلالة الملك الالتقاء مع نتنياهو وحتى رفض مجرد تلقي مكالمة هاتفية منه خلال السنوات الثلاث الماضية ، وبنفس الوقت فتح قنوات اتصال مع منافسيه في حكومته مثل بيني غانتس وزير دفاعه ومنافسه على منصبه ، وغابي اشكنازي وزير خارجيته والمعارض له ايضاً مما اعتبره نتنياهو دعماً من جلالة الملك لخصومة قبل الانتخابات الرابعة خلال اقل من سنتين التي تجري في هذا الكيان لصالح منافسيه وبهدف افشاله . ولكون نتنياهو يقاتل في شراسة للنجاح في هذه الانتخابات لكي ينجوا من محاكماته ولكي ينسق مع الادارة الاميركية لايجاد حل للقضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني والشعب الاردني وخاصة بعد ان نجح في آواخر ايام ولاية ترامب بعقد معاهدات صلح مع اربعٍ من الدول العربية بالاضافة الى ما اعلنه قبل ايام من ان اربع دول اخرى في المنطقة بطريقها لتطبيع علاقتها مع كيانه ، ولخشيته من ان يقوم جلالة الملك بافشال سعيه هذا فقد أخذ يسعى الى اضعاف الموقف الاردني وموقف جلالة الملك بالذات من خلال خلق المصاعب الداخلية له وربما العمل على ازاحته عن طريقه ان امكن .
ولعل وضع العراقيل امام زيارة سمو ولي العهد للحرم القدسي لأحياء ليلة الاسراء والمعراج فيه من خلال الاخلال بترتيبات الزيارة المتفق عليها مسبقاً و اغلاق بعض مداخل القدس والطريق رقم ١ وبعض مداخل وساحات الاقصى بحجة الدواعي الامنية مما كان سيترتب على ذلك التضيق على المصلين المقدسيين في القيام بالصلاة في المسجد الاقصى في تلك الليلة مما دفع سموه الى الغاء زيارته هذه ، الامر الذي رد عليه الاردن في اليوم التالي بعدم منح الأذن للطائرة التي كانت ستحمل نتنياهو بزيارة تاريخية الى دولة الامارات العربية المتحدة مما حدا به الى الغاء هذه الزيارة والتي اعتبرت بمثابة صفعة في وجهه ، مما زاد من حدة الموقف العدائي من قبله اتجاه الاردن واتجاه جلالة الملك . ومن غير المستبعد ان يكون لهذا الكيان دوراً في تحشيد المعارضات الاردنية في الخارج وبعضها لا يخفي علاقته مع هذا الكيان وبعضها الآخر من خلال اجهزة المخابرات في الدول التي يقيمون فيها والتي كانت تمولهم وتزودهم ببعض المعلومات ليستفيدوا منها في حملتهم على النظام الاردني بهدف اضعافه ، ثم مشاركتهم في الدعوة للخروج الى الشارع بالتاريخ المذكور . ولعل هذا ما اشار اليه جلالة الملك من خلال تحذيره من اناس بالداخل والخارج يعملون ضد الاردن نتيجة صموده في وجه الضغوطات التي يتعرض لها والتي تشارك فيها اطرافاً عربية ودولية كثيرة .
وبهذا التقت مصالح جميع هذه الاطراف في خلق المشاكل داخل الاردن واضعاف موقفه وان كان كل طرف يعمل لصالحه .
وفي ظل هذه الأجواء والمواقف انطلقت حملة التحشيد للخروج الى الشارع والى الدوار الرابع في الرابع والعشرين من هذا الشهر وفي ذكرى احداث دوار وزارة الداخلية عام ٢٠١١ والتظاهر والاعتصام فيه على خلاف خط سير مسيرات الربيع السابقة وذلك في محاولة لتكرار مشهد اعتصام نقابة المعلمين فيه وخلق ظرف مناسب لصدام مع الاجهزة الامنية ثم رفع شعار المظلومية لاستدرار التعاطف والدعم وربما التدخل الخارجي .
وكل ذلك وفي ظل انتشار وباء كورونا وخطورة مثل هذه التجمعات البشرية على زيادة انتشار هذا الوباء ، وبهدف اسقاط الحكومة الاردنية وقانون الدفاع وقرارات حظر التجول في حين ان الهدف هو ابعد من ذلك ويستهدف النظام بحد ذاته . وقد انطلقت الدعوة لهذ التحشيد من خلال فيديوهات المعارضات المأجورة والعميلة خارج الاردن ومن خلال نشرات ومقالات ومواقع تمت اقامتها على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل انصار الربيع الاردني في الداخل بمكوناته المختلفة .
وفي وقت متزامن ومثير للدهشة قامت الخارجية الامريكية باعادة نشر تحذيرات سابقة لمواطنيها في الاردن تحذرهم من الذهاب الى عدة مواقع منها المناطق الحدودية ومخيمات اللاجئين السوريين والزرقاء والرصيفة والبقعة وعين الباشا ومعان والسلط . وهي وان عللت اعادة التذكير بها الى اسباب تتعلق بالارهاب والنزاع المسلح والجريمة ، الا ان صدور هذا التحذير قبل عدة ايام من اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر يثير الكثير من علامات الاستفهام وبانه قد يكون له دلالاته ومؤشراته الخاصة ، وقد يكون مرتبطاً بمعلومات لدى هذه الوزارة عما هو مخطط له ان يتم في هذا التاريخ او ما يتوقع ان يحصل فيه .
وقبل هذا التاريخ الموعود شاء القدر ان تقع كارثة مستشفى السلط الحكومي واستشهاد مجموعة من ابناء السلط الابية نتيجة تقصير مريع من ادارة هذا المستشفى وبعض العاملين فيه والمتمثل بانتهاء مخزون الاوكسجين في ظل وجود العديد من مرضى فيروس كورونا بداخله موصولين باجهزة التنفس الاصطناعي مما ادى الى وفاة العديد منهم بالاضافة الى احتمال تعرض بعض اطفال الخداج الى اضرار يمكن ان لا تظهر الا في وقت لاحق . وقد اثارت هذه الحادثة سخط الاردنيين جميعهم على التقصير الذي حدث ومطالبتهم بمحاسبة المقصرين.
ولقد كانت هذه المأساة عبارة عن هدية من السماء لدعاة هذا التحشيد وانصارهم وداعميهم فتحركوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر اخبار هذه الكارثة بشكل مبالغ به وصل الى درجة اتهام المسؤولين الى تعمده لتبرير اوامر الدفاع التي صدرت مؤخرا بفرض المزيد من الاغلاقات وحظر التجوال كوسيلة منها حسب ادعائهم لمضايقة المواطنين وقطع ارزاقهم بحجة وقف المنحنى التصاعدي للوباء وعكس اتجاهه نحو النزول . كما تم الضرب على الوتر الحساس لدي المواطنين الذين تضرروا نتيجة هذا الوباء وقرارات الدفاع التي صدرت خلال العام الماضي وذلك عن طريق نشر الكثير من المواد التحريضية والتي دفعت بعض المواطنين للنزول الى الشارع للاحتجاج على قانون الدفاع واوامره ولانكار وجود وباء في الاردن يدعى كورونا وللمطالبة باستقالة الحكومة بعد تحميلها مسؤولية ما حدث في المستشفى بالرغم من خطورة هذا النزول في هذا الوقت والذي بلغت به اعداد الاصابات والوفيات بوباء كورونا ارقاماً غير مسبوقة ولا متوقعة من قبل . تلك التجمعات التي تسلل اليها مجموعة متطرفة بطروحاتها وقامت بحرفها عن هدفها الاصلي والى رفع شعارات غير مسبوقة تجاوزت كل السقوف والحدود .
ولقد ساهمت بعض المواقع وبعض المعلقين والمغردين على وسائل التواصل الاجتماعي بحسن نية الاغلبية وسوء نية البعض بزيادة تأجيج الشارع الاردني من خلال ما تم نشره من خلالها من معلومات غير دقيقة واشاعات ومواد تحريضية في حين انه كان يجب على الجميع في هذا الوقت العمل على تهدئة النفوس دون التوقف عن طلب محاسبة المقصرين والفاسدين آخذين بعين الاعتبار خطورة الوضع الصحي واكتظاظ مستشفياتنا حتى ان الكثير منها بلغ السعة القصوى لها مما يهدد بكارثة طبية وانسانية لا يعلم الا الله مداها ومن سيسقط ضحية لها .
ان من سوف ينزل الى الشارع في هذا الوقت مهما بلغ نبل اهدافة وغاياته ، ومن يدعوا للنزول ومن يحرض عليه هو محرض على وقوع جريمة اكبر من جريمة مستشفى السلط بكثير ، وهي جريمة المساهمة بزيادة انتشار الوباء وما سوف ينتج عنه من اصابة الكثيرين ووفاة الكثيرين وانهيار المنظومة الصحية وزيادة الازمة الاقتصادية والبطالة والفقر بالاضافة الى المساهمة باضعاف الموقف الاردني اتجاه القضايا القومية وخاصة القضية الفلسطينية ولصالح الدولة الصهيونية .
وان جماعة الرابع والعشرين من اذار اذا نفذوا عزمهم النزول الى الشارع في ذلك الوقت في ظل هذه الظروف فأنهم بفعلهم هذا يرتكبون جريمة الخيانة العظمى ويسعون الى اشعال فتيل الفوضى والفتنة العمياء والتي لن يسكت عليها ابناء الوطن الشرفاء المرتبطين في ترابه المخلصين له ولنظام حكمه .
وان هذه دعوة للجميع لتغليب العقل والمنطق وان لا يجعلوا من انفسهم جسراً يمر من فوقه كل حاقد كاره متآمر على الاردن ، وان دفع الضرر الاكبر مقدماً على دفع الضرر الاصغر وان يتم تقديم التناقض الرئيسي على حساب التناقض الفرعي دون ان يعني ذلك عدم التصدي للفساد والدعوة لاستئصاله . وان حق التعبير عن الرأي مكفول في الدستور على ان لا تكون ارواح الاردنيين ثمناً له فحق الحياة مقدم على كل شيئ بما فيه حق حرية الرأي فكيف اذا كانت حرية الرأي هذه كلمة حق يراد بها باطل....افلا يعقلون ؟
وعاش الاردن بلد امن وامان . وعاش الشعب الاردني سليماً معافى وعاش جلالة الملك المعظم قائدا لمسيرة الوطن الى بر الامان .