لا أريد أوجع رؤوسكم بشرح مفهوم الشفافية ومعناها وفحواها، من وجهة النظر الفيزيائية الخالصة. فأعرف أن الفيزياء (بعبع) للكثيرين، كما أن شرحها العلمي لهذه الظاهرة، سيجعلنا نتمنى لو كان هناك قليل من العتم يغطي زجاجنا ويوسخه ويضببه. ولأن الشفافية بمعناها الأكثر بساطة تعني أن يكون بيتنا الزجاجي نظيفاً، وشفافاً ينبىء عما بداخله وورائه، ولا يخفي شيئاً، حتى يبدو وكأن الجدران غير موجودة، والحواجز غير مثبتة، ولربما سمعتم عن حالات اصطدام دامية، بسبب النظافة الزائدة لألواح الزجاج، في واجهات المحلات والمتاجر الأنيقة!.
بعيداً عن فبركات الفيزياء وإلتفافها وخيالها الجموح، نتذكر أن حكومتنا طرحت شعار الشفافية الشفافة، كخيار استراتيجي، منذ شرارتها الأولى في الدوار الرابع، حتى ظننا أنها ستبني بيتاً زجاجياً لها ولأعمالها، بعدما وعدت بأن لا شيء سيمر من تحت السجادة، وأن ظاهر الحكومة سيكون كباطنها، وباطنها كظاهرها، ولهذا صدمتنا وأدمتنا شفافيتها العالية، التي رافقت وترافق طبخ وإنضاج و(تحمير) قانون الإنتخاب الموعود.
جاء حل المجلس النيابي الخامس عشر لضعفه ولأخطائه وضبابيته، وأنه لم يكن يعكس رؤانا الشعبية، ولا تصوراتنا وتطلعاتنا بشفافة، ولهذا استقبلت الغالبية العظمى منا قرار الحل بسرور بالغ ورحابة صدر كبيرة، ومنذ تلك اللحظة تأملنا أن يتم تغيير (وحدة القياس)، أو وحدة الكيل، أي القانون الذي تجري عملية الإنتخاب، ليكون قانونا ملبيا لتطلعاتنا، كي لا نتحسر على المجلس المحلول حينما نرى ثمرات القانون المطبوخ.
القانون الموعود لا يطبخ للصينيين أو الكوريين، ولا لليابانيين، بل لنا نحن، فهو يخصنا ويخص مستقبلنا ويصنعه، وكنا نأمل أن لا تنمو طحالب التعتيم، على زجاج الحكومة، فمن أولويات الشفافية أن يشارك في الطبخ فئات ذات خبرة تمثل أطياف مجتمعنا، لا أن يبقى حبيساً لضباب المطبخ وأبخرته وضغطه، ثم يخرج ساخناً، نتجرعه من الطنجرة للحنجرة، وكأنه قدر لا راد له.
لا أريد أن أستبق الأحداث، ولكنني غير عادتي، يؤسفني أن أكون غير متفائل، وأنا بانتظار هذا المولود، المكتمل النضج، والمطهو على نار أقل من هادئة، سيما بعدما صدمتنا عتمة وشفافية زجاج مطابخ الحكومة وطبخاتها المدهون، فلو كان قانوناً مبشراً واعدا بالتغيير والتجديد، لشممنا عطره من بعيد!.
.ramzi972@hotmail.com