حين كان هوى الاردن جمرا يحرق الأصابع , كان حيدر محمود نايا يفيض على الاردن والاردنيين بشجوه
وابداعه وكانت قصائده ترانيم حب للاردن يحفظها الناس كلهم عن ظهر قلب .انه ليس شاعرا وحسب هذا الذي توحدت قصائده مع الاردن حتى أصبحت طية من طيات الارض الاردنية,
وملمحا من ملامح الوطن, فهو الذي تغنى في محراب الاردن وصاغ سنفونية حب وهو ينشد للطوقي الحمر ,
وللبدو الذين يحمسون على النار قهوتهم وللفلاحين الذين يخيطون شقوق الارض بعرقهم وأنتماءهم وللجنود
الذين يسهرون على النهر يدافعون عن كبريائه ومجده وأمنه .
أما من حيث الفن الشعري والابداع , فيكفي ان أقول أنه اذا كان الشعر الاردني تفيأ ظلال شجرة عملاقة في
النصف الاول من القرن العشرين هي شجرة مصطفى وهبي التل فان الشعر قد تفيأ ظلال شجرة عملاقه اخرى
في النصف التاني للقرن العشرين هي شجرة حيدر محمود مع الانتباه الى كل التحولات والعواصف التي شهدها .
النصف الثاني من القرن والتي كانت تعصف بالوطن واستقراره والتي رفدها حيدر محمود واعطاها ذوب
وجدانه وابداعه والاردنيون الذين موجوا صخور البتراء وذابت ملامحهم واجسادهم في الارض الاردنية
يعرفون ماذا ترك هذا الشاعر العبقري من أثر في صياغة الوجدان الوطني المعاصر, وما التقيت مع شاعر من
شعراء الاردن ولا سيما شعراء البادية الاردنية وتذاكرنا في شؤون الشعر وشجونه الا و أكد انه تشرب هوى
الاردن من شجر الدفلى على النهر يغني أو من يمر هذا الليل او من سائر دواوين حيدر محمود الشعرية , التي
شكلت رصيدا ابداعيا وحضاريا للدولة الاردنية حسب تعبير شيخنا صلاح ابو زيد في تقديمه للاعمال الكاملة
للشاعر حيدر محمود .
وعندما يتحدث اللبنانيون عن سعيد عقل وغيره من رموزهم الادبية فانهم يعتبرونه رمزا وطنيا مثله مثل شجر
الأرز, وعندما يتحدث العراقيون عن الجواهري والسياب , فانهم يتحدثون عنهما كما يتحدثون عن النخل وكذلك
يفعل المصريون والسوريون والسعوديون , لان هذه الرموز بما قدمت من ابداع وعبقرية , استحقت هذة المكانة
الرفيعة وهذا التكريم , ومصطفى وهبي التل وحيدر محمود عبقريتان اردنيتان في مصاف هذه العبقريات
ويستحقان من الحفاوة والتكريم ما تستحقه هذه الرموز العربيه الكبرى في اوطانها لما قدموه للوطن واهله من
ابداع وعطاء .
لقد ترنم الوطن خلال الاربعين سنة الماضية بعمان التي أرخت جدائلها فوق الكتفين وشجر الدفلى على الشجر .
يغني , وكان حيدر محمود القيثارة التي ذابت انشادا في هوى الاردن , وكان الصوفي الذي انقطع في محرابه,
والشاعر الذي ترنم في هواه مرفوع الرأس , نقي الفؤاد , ممتلىء القلب , خالي اليدين ولم يتعب من صاحبيه
ورفيقيه المتعبين الحبر والورق , ولم يكن وزيرا للثقافة انما كان الثقافة نفسها وما زاده هوى الاردن الا ايمانا
وألقا وشاعرية, وهو يعبر عن هذا الهوى بعبقريته وابداعه .