في ظل ما نعيش والعالم من حولنا من ظروف قاهرة سيطرت على العقول والأفئدة، ومع تفاقم المشكلات جميعها نظراً للأزمة العامة وآثارها المتفجرة كالقنابل العنقودية من سلالات متحورة تتلو إحداها الأُخرى، يعود إلى الواجهة سؤال: أيُّ الإصلاحين مُقدّمٌ على الآخر.
ولا شكّ في أن الإجابة على هذا السؤال نسبيّة، فلو كنا في دولة نفطية لقلنا السياسيّ نظراً لأن الاقتصاد لا يعدّ -في الغالب- من بين المشكلات التي تواجه الحكم في تلك الدول، وتكون الإجابة الطبيعية بالمقابل في أي دولة ضعيفة الموارد هي تقديم الإصلاح الاقتصادي.
لكن الحقيقة -من وجهة نظري- والتي تناولتها في عدة مقالات هي أن الإصلاح السياسي هو بوابة الإصلاحات جميعاً، فلا رأي دون قناة حرة منضبطة منتجة، ولا قرار بعيداً عن الشرعية القانونية التي تخول الجهة صاحبة الاختصاص إصداره، ولا ممارسة تعبيرية ترى النور إن لم تنل رخصتها الشرعية لممارسة عملها فتستقطب الجمهور الذي يعبر نحو الهدف بكرامة وأمان، فيكون الجديد المنشود في المجالات كافة.
هذا ما يدعونا وباستمرار إلى إعادة معاينة الساحة ومفاضلة الأدوات، وهذا ما يستدعي ترسيم الحدود وفتح القنوات الصالحة للتعبير، القنوات الحقيقية الصادقة لا التي تسخّن الماء على أمل إشباع الجياع.
وقد استبق الملك الجميع إلى ذلك، وكانت الأوراق النقاشية خريطة طريق تلمّست الجنبات التي يفترض للإصلاح وأن يسير بينها، من حرية تعبير محترمة ضمن سياقات القانون، وعدالة اجتماعية على أساس الدولة المدنية الجامعة، وشفافية في إنقاذ القانون وأداء الدولة ينعكسان على مسيرة مكافحة الفساد، تلك وأكثر خلاصات لما أوردته الأوراق النابعة من إدراك ما يعتري الصدور من أمل ويجثو فوقها من هموم.
لكن؛ نواجه اليوم حالة غير منتظمة في التعبير، تحتاج الرموز بكل الأحوال، لكن السؤال المُلِحّ: أية رموز؟ المُستهلكة؟ الطارئة؟ التي اعتلت المنابر بالأموال؟ أم التي امتطت الأوجاع وطرحت المشاكل دون الحلول؟ الجواب قطعاً: لا أحد ممّا ذُكِر!
إن مفتاح الإصلاح ليس بيد الحكومة، فهي أول من يتوجب أن يطاله العلاج، بل الإصلاح مشروع دولة تتخلى فيه المؤسسات عن دور المرسل إلى دور المستقبِل، تجمع الآراء وتعمل على تبويبها، تشرك الجمهور في المشكلة والحل، تتعامل معه بالشفافية المطلقة ورحابة الصدر الكاملة، تحترم مخرجات فكره وتعمل على استصواب الممكن منها. ولا بد لهذا من رموز وطنية جماعية لا فردية، صاحبة رصيد وطني نظيف مطعّمة بمفكرين وروّاد، يخرجون عن طاقاتهم ليتولّوا جمع الأفكار وتبويبها نحو صياغة خطة مستقبلية تعالج ما طاله الخلل وتجوّد الصالح مما أُنجِز.
رموز وطنية تدرك أبجديات السياسة، تقسم على الجميع، تخشى على الوطن فتصونه سرّاً وجهراً، وذلك كلّه ممكن وليس بمستحيل.
تلك مجرد نقطة انطلاق، يلج عبرها الوطن إلى الإصلاح المنشود باستقرار وهدوء وأمان.
حمى الله الأردن قيادة وشعباً.
(الرأي)