إدارة الدولة الأردنية ومراجعة النهج القديم
السفير الدكتور موفق العجلوني
18-03-2021 10:52 PM
اطل علينا يوم امس مقال منشور في عمون الغراء بعنوان : " إدارة الدولة الأردنية بحاجة الى تجديد " لمعالي الدكتور مروان المعشر والذي اعتز بزمالته كسفير ووزيراً للخارجية، حيث كان قدوة للدبلوماسيين في وزارة الخارجية. و لو ان لي بعض الملاحظات على إدارة وزارة الخارجية بشكل عام، و منظومة تعيين السفراء وخاصة غير المسلكين. ومن لحق بهم الظلم من عدد من الزملاء السفراء ورمي بهم "مت وانت قاعد " وهم الاحق بمواصلة مهمتهم الدبلوماسية كسفراء ممثلين لجلالة الملك في الخارج و هو حق مكتسب لهم، و ليس من حق أي وزير خارجية احالتهم على التقاعد كائناً من كان جاءت به الظروف نتيجة معطيات لا مجال لذكرها، بينما سفراء وسفيرات من منطلق الواسطة و المحسوبية والعلاقات الخاصة وذوو القربي لازالوا يمضون عشرات السنين، و لا يسمح المقام بنشرها وسردها اعلامياً حيث لا زلت انتظر منذ أكثر من 3 سنوات للتشرف بلقاء وزير الخارجية أيمن الصفدي لوضعه بصورة سوء الإدارة والتجاوزات في تعيين السفراء وفي إحالة عدد منهم الى التقاعد دون وجه حق.
بداية رحم الله شهداء كارثة مستشفى السلط، واسكنهم المولى جلت قدرته فسيح جناته، والهم ذويهم الصبر والسلوان وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون.
لا بد لي أن أقف مع معالي الدكتور المعشر عند الجانب الإداري للدولة، والذي أشار اليه بأنه السبب المباشر لهذه الكارثة هو الترهل الاداري والذي تكلم عنه الكثيرون، وما هو إلا نتيجة لانهيار منظومة شاملة أكبر من القطاع الصحي، وهي منظومة ادارة البلاد والموارد وفق ثقافة وأدوات لم تعد تصلح لبناء الدولة الحديثة، وأصبحت نتائجها ماثلة للعيان في العديد من المواقع. وما كارثة مستشفى السلط إلا واحدة من شواهد عدة تدل على مدى الضرر الذي لحق بإدارة الدولة الاردنية.
اتفق مع الدكتور المعشر بأن الهيكل العام للإدارة الاردنية، بكافة مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحاجة لتجديد شامل، وكما أشار البعض بحاجة الى "شدشدة"، ولتغيير جاد ومتكامل للنهج الحالي المتبع، وإلا فلن تكون كارثة السلط هي الأخيرة كما سبقها فاجعة البحر الميت، ولن تقتصر على القطاع الصحي فقط.
وبالتالي هناك عاملين رئيسين اوصلا الأردن الى هذا الوضع المقلق، والمقلق اكثر في ضوء زيادة إصابات جائحة كورونا:
•العامل الأول: التوسع غير المعقول لحجم القطاع العام لدرجة باتت الحكومة تصرف بالكاد على معاشات الموظفين بدلاً من الصرف على البنية التحتية التي من شأنها تحسين نوعية الخدمة.
•العامل الثاني: التوسع في ثقافة الواسطة والمحسوبية التي توظف الناس دون النظر الى كفاءتهم بالشكل الكافي، ودون الاهتمام بتخصيص الموارد اللازمة لتدريبهم وتطوير أدائهم، ودون تحديث لنظم الرقابة والمسائلة.
والسؤال المطروح اين يكمن الحل؟ و الجواب حسب رأي الدكتور المعشر يكمن في المعطيات التالية:
•مراجعة كل النهج القديم وأسلوب إدارة الدولة.
•الابتعاد عن الثقافة السائدة بأن الحكومة هي المشغل الرئيس للعمالة (الثقافة الريعية)
•اعداد الشباب إعداداً جيداً يتلاءم مع متطلبات العصر. مع اعداد نظام تربوي مختلف يهيئهم للتعامل مع تحديات الحياة ومتطلباتها المتغيرة باستمرار.
•تهيئة البيئة المناسبة للقطاع الخاص للتوسع والحلول مكان القطاع العام لتوفير الوظائف الحقيقية من خلال بيئة تشريعية تجلب الاستثمار وتعظمه.
•سن تشريعات تُجرّم الواسطة لطالبها ومقدمها.
•الابتعاد التدريجي عن تخصيص معظم الموارد المالية للأجور والنفقات الجارية وتطوير نظم تدريبية ورقابية تحاسب المقصر وتكافئ المنتج مؤسسياً.
•عدم ربط الترفيعات بالأقدمية فقط، وانما بالإنتاجية أيضاً.
•اعتماد نهج مؤسسي جديد لإدارة البلاد يشترك في وضعه كافة مكونات المجتمع للاتفاق على أطر جديدة من شأنها بناء دولة حديثة وحداثية في المئوية الثانية للأردن.
ما يحيرني كثيراً ان لدينا في الاردن قيادات و كفاءات متميزة في المجال الإداري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي والصناعي والطبي والعلمي والمهني.. الخ، و تخرج علينا دائماً بأفكار ممتازة، ولكن المصيبة اننا بحاجة الى مراكز بحث فكرية ملتزمة تتناول هذه الأفكار البناءة وتجمعها وتحللها وترفعها الى أصحاب القرار، فالمأساة عندما يتولى مسؤول مؤسسة ما او وزارة ما، سرعان ما يبدأ بقلب الأمور اعلاها على اسفلها، وبدلاً من ان يبني على ما سبقه من سياسات وخطط وبرامج، و يتم إعادة مراجعة لهذه السياسات سواء كانت خطط ادارية او خطط استراتيجية، و بدلاً من ان يطبق مفهوم " SWOT" في الإدارة و الاستعانة بمتخصصين في الادارة علمياً وعملياً تجربة و ممارسة، يبدأ بالبحث عن إحالة أصحاب الكفاءات المتميزين الى التقاعد متسلحاً انهم اما امضوا 30 عاماً من الخدمة او انهم بلغوا الستين، و يتم تعيين بدلاً منهم اغراراً لا للعير ولا للنفير، او من باب التنفيع لذوي القربي لا لأصحاب الكفاءات من اجل توليهم مواقع هامة في الإدارة، كما يحصل في العديد من مؤسسات الدولة، فبدلاً من تعيين أصحاب الكفاءات او المحافظة على أصحاب الكفاءات ولو بلغوا سن الستين او خدمة 30 عاماً، يتم تعيين ذوي القربي وأصحاب المصالح الشخصية. فقط هذا مثال بسيط لعشرات لا بل لمئات المواقع، وهنالك امثلة عديد حصلت في وزارات ومؤسسات أخرى من ضمنها وزارتي بيتي الثاني الذي اعتز به وزارة الخارجية، ولا يسمح المجال لذكرها.
نعم إدارة الدولة الأردنية بحاجة الى تجديد، بحاجة الى " شدشدة "، بحاجة الى بحث معمق من أصحاب الكفاءات الذين اعينهم على الوطن لا على الكراسي ولا على جيوب الوطن التي افرغت، وأصبحت خاوية خرجت عن حدود الناتج القومي في العجز وندرة الإيرادات.
واذا سمح لي دولة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، ان يدعو الى اجتماع مع اصحاب الدولة السابقين ويتحاور معهم اين اصابوا واين اخفقوا، وان يقوم كل وزير ومدير عام بدعوة الوزراء السابقين والمدراء العامين السابقين والتحاور معهم في بث مباشر في اين اصابوا وأين اخفقوا، ومن هنا يمكن البدء بمداواة الجراح، علاوة على استقبال نتائج الدراسات الموثقة من قبل مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية والمرفوعة لأصحاب القرار والمتعلقة بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. الخ، بحيث يتم الاخذ بها، وان لا ترمى هذه الدراسات و الأبحاث في المهملات كما هو حاصل الان، وفي احسن الاحتمالات يكتب عليها تحفظ..!!! ومن هنا باتت إدارة الدولة الأردنية بحاجة ماسة وعاجلة الى التجديد.