للأمم في تاريخها حوادث معدودة وأيام مشهودة يذكرها الآباء ويرددها الأبناء على توالي الحقب وكيف ونحن نعبر بمئوية ثانية لنستذكر الكثير من ماضينا وتاريخنا وهذا ما نحاول ان نسرده معاً.
لكل بلاد خصائص في اقليمها وتربتها تمتاز عن غيرها من البلاد وتميز ابنائها عن ابناء البلاد الاخرى، ومن خصائص الحجاز التي تميزها عن بلاد العرب وبلدان العالم بأنها انجبت نابغة من نوابغ الدهر يحار في تقديره الفكر أستجمع في صدره صفات لا تراها في رجال غيره. الملك العظيم هو الحسين بن علي طيب الله ثراه وهو الذي كان من الرجال الافذاذ الذي تبحث عنهم البلاد دهوراً.
في تمام الساعة الواحدة والدقيقة الخمس والثلاثون في الثامن عشر من كانون الثاني لعام 1924م وصل المنقذ الاعظم طيب الله ثراه الى عمان وقد امتلأت المحطة بالوفود الرسمية وغير الرسمية وتلامذة المدارس والكشافة وسط هتافات عاش الملك – عاش الحسين بن علي والاناشيد الوطنية وهتف الشيخ عبد القادر المظفر قائلاً: اهلاً بمنقذ العرب فلنحي امير المؤمنين الملك حسين. وكانت الجماهير ترد عليه دائماً، ولما ترجل جلالته صدحت الموسيقى بالسلام الملكي واطلقت المدافع مائة طلقة واول من تقدم لاستقباله جلالته المعتمد البريطاني ونظار حكومة شرق الاردن العربي وضباط الطيران ثم تقدم المستقبلين لتقبيل يديه وكانت طيارة تحلق فوق الجموع ولما ركب السيارة احاطت به فرسان الحرس من الجيوش منظمة بقيادة بيك باشا قائد الدرك في حكومة الشرق العربي وفرسان البدو حتى وصل جلالته الى المنزل المعد لأستقباله وتناول طعام العشاء مع الوفود التي حضرت لأستقباله وفي صباح السبت استقبل جلالته الوفود ومن ثم الصحف الذي صرح لهم لمدة عشرين دقيقة وخاصة عن القضية العربية قال أهمها: انها لم تزل في بدايتها ،وانه أوقف نفسه وانجاله للأمة غير ما تقبله لنفسها وأن توحيد كلمة امرآء العرب غايته وان الامة اذا رأت ان توفد لهم وفداً للوصول الى ذلك التفاهم فان جلالته يدفع من جيبه الخاص نفقاته .ومما يلفت الامر في حينه عندما دخل مندبوا الصحف عليه كانت المقاعد كلها مشغولة مما سبقهم من وفود ولكي لا يعكر صفو احد نزل جلالته عن مقعده وجلس على الارض وطلب الى الجميع أن يجلسوا مثله وبقي كذلك حتى انصرف الجميع من لدنه . وعلى آثر هذا التصريح أقيمت مظاهر حماسية خارج القصر تليت فيها القصائد والخطب وبعد ظهر اليوم نفسه استقبل جلالته غبطة السيد الجليل والراعي النبيل المونسنيور مع حاشيته بالنيابة عن قداسة البابا وشكره على اهتمامه بالقضية العربية قائلا له : ان اتحاد العناصر وحده هو الذي ينهض بهذه البلاد ويجعلها أن تبلغ اوج التقدم والفلاح ومن الصور المنثورة عن زيارة جلالته كان هناك ازدحاماً جماهيرياً عظيماً وكان مسؤول عن النظام غالب بك الشعلان واثناء مرور السيارات عامل الجند المواطنين ليس بما يليق بهم فما كان ان وبخ جلالته غالب بيك الشعلان وقال له اذهب بجنودك وامنع الاجانب وادفعهم عن بلادك فهو خير من معاملة أبناء وطنك بهذه الخشونة ومنعهم عني وصدرت ارادته بعزله عن وظيفة مدير التشريفات . وبعدها تابعت الوفود منهم المندوب السامي والسير جلبرت كلايتن والكثير من اصحاب المناصب للسلام على جلالته ومن يمثلون المراكز الدينية الاسلامية والمسيحية لا يسعفني ان اكتبهم كلهم.
وقد صرح جلالته على الملأ بأن ما أشاع بعض اصحاب الغايات من ان لرحلته علاقة بمسألة الخلافة ليس الا من اقاويل المقصود بها الصيد بالماء العكر وانه لا يريد في حال من الاحوال ان يبحث في مسالة الخلافة وكذب النبأ الصادر عن احدى الصحف السورية وان جلالته اصطحب رداء الخليفة ابي بكر الصديق ليتولى مفتي القدس الباسه اياه اثناء البيعة في المسجد الاقصى .وصرح جلالته ان كتاب دعوة مؤتمر الكويت وصل متأخراً ولذلك لا يمكن ارسال مندوب عنه حتى قال : ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا ويأنبك الاخبار من لم نزود وصرح ايضاً بخصوص المعاهدة قائلاً لا بد انكم قرأتم المنشور الاخير الذي وجهته الى الشعب البريطاني وبعده لا يبقى آي مجال للمعاهدة واننا نسعى لغاية واحدة وهي استقلال بلادنا استقلالاً تاماً ونطالب بحقوقنا فجزيرة العرب لنا تربطها ببعضها روابط قومية مهما طال الأمد بها لا بد ان نستقل ويوم الاحد الذي يليه عقدت جلسة في الحضرة الملوكية اجتمع فيها نخبة من رجال الوفود السورية والفلسطينية دامت ثلاث ساعات وافتتحها جلالته قائلاً لم يحدث آي تغيير وتبديل كان على ما قد عرفتم من الوثائق الأساسية للنهضة واني اضم رأيي الى آراء القوم في ما يختارون من الوسائل المفيدة بشرط الاعتماد على العقل والحكمة وادعوكم الى ترك التتابذ والشقاق والاتعاظ بالحوادث التي تقلبت على القضية منذ نهاية الحرب ولا سيما سوريا وختمت الجلسة بقرار تداول الوفود فيما بينهم وما يجب عمله قبل انعقاد الجلسة الثانية . وما جدير بالذكر تصريحات جلالته للصحف في حينه لمندوبي الصحف عن النهضة العربية والذي شرح شرحاً وافياً لا يسعني كتابته بهذه المساحة .ومن اوامر جلالته أثناء الزيارة أنعم جلالته على الامير عبد الله بن الحسين في حينه بلقب القيادة الكبرى في الجيش الهاشمي وهي تعادل رتبة مشير والكثير من الاوامر أهمها تسفير المحمل الشامي من عمان وان تصنع الكسوة الشريفة فيها .ونصبت اقواس النصر في اماكن عديدة كتب عليها بحروف من نور فليعش جلالة امير المؤمنين الحسين بن علي وذكر بانه شيد جامع كتب عليه قد أمر بتشيد هذا الجامع أمير المؤمنين الملك حسين بن علي بن حسين بن عون.
بمثل هذه الارادة التي لا تغلب نهض الزعيم بالنهضة فسقاها من سهد عينيه وغذاها من هم فؤاده الى ان بلغت اليوم ما نحن عليه فاللسان الذي خدم القضية العربية وما اوتيه من الجهد والثبات في حينه يحكي قصة مجد وتاريخ للعرب ولنهضتنا التي نعبر بها اليوم الى مئوية اخرى بثبات وعزيمة لنسرد للأجيالنا القادمة تاريخ عظيم نعيش به مع الهاشميين بتواضعهم ومحبتهم وقيادتهم العظيمة .