كان مغرما بحب الصحافة والكتابة التي كرس حياته لها منذ ريعان الشباب. لامست مقالاته الواقع بهدوء الحالم بغد أفضل، وبفكر تقدمي مستنير. تخرج على يديه الكثير ممن يشار إليهم بالبنان في عالم مهنة المتاعب. ولم يكن ممن يتخلون عن مبادئهم مهما اختلفت الظروف. والأهم، أنه عاش الحياة لإسعاد كل من حوله قبل نفسه، بإيثار قل نظيره في هذا الزمن.
إنه الأستاذ محمد كعوش، الذي غادرنا قبل أيام، لتبقى سيرته نبراسا لكل من أراد أن يمتهن الصحافة بحق. فهو المعلم في إدارة فنون الخبر والمقال، وصياغة العناوين، وتحرير المواد الصحفية المتزنة، بروح تشويقية تلقائية ممتعة بشهادة معظم من زامله أو تتلمذ على يديه. فقد كان ملاذا لكل من صعبت عليه المهمة، ليكون مرشده وناصحه.
عمل في معظم الصحف الأردنية وقبلها اللبنانية، ليحمل مبادئه وأسلوبه في الكتابة، أينما حل. كان لعشقه للأدب والفن انعكاس خاص على فكره ومقالاته، وإن كانت سياسية الصبغة في جلها. فجاءت محكمة السبك، شكلا ومضمونا. وبفضل مهنيته العالية، نال وسام الحسين للعطاء المتميز من الدرجة الأولى قبل أقل من عشر سنوات، ليكون هذا الوسام مصدر فخر واعتزاز له حتى فارق الحياة.
ظل مؤمنا بالعروبة من الخليج إلى المحيط، رغم تتابع النكبات، في زمن تكاثرت فيه الأيديولوجيات يمينا ويسارا. ولم يكن ليبدل مواقفه بأي ثمن. ثابت على ما يراه حقا في زمن عزت فيه المثالية. وكان يملك قدرة كبيرة على شحذ الهمم، بنظرة إلى المستقبل يملؤها الأمل والتفاؤل.
بقيت فلسطين عشقه الأبدي، وهو المؤمن دوما بعودة الحق إلى أصحابه مهما طال الانتظار. لا يهمه تبدل الأهواء وتسارع الأحداث. فالأمور بالنسبة له، وببساطة، بيضاء أو سوداء واضحة، بعيدا عن رمادية المواقف وزيفها.
اتسم بسعة الصدر. لا يحب المخاصمة ولا يعرف الكراهية. منهجه الاعتدال فكرا وممارسة، فحظي باحترام الأصدقاء، وخلو سجله من الأعداء. حتى أن البعض منا كان يتحدث معه بحثا عن طمأنينة الروح بكلامه الأبوي الدافئ.
كان لهدوء واتزان وعمق حديثه أثر طيب في النفس. فهو ممن يعتد برأيهم في قضايا الوطن والأمة. وهي نفس الصفات التي كاثرت المحبين من حوله.
ولعل الحكمة هي أعظم ما يتعلمه المرء من هذه القامة الإعلامية المميزة، ليقدم تجسيدا حيا لقول الله تعالى: “وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا”.
رحمك الله يا أبا يوسف، يا رفيق ناجي العلي وآخرين من كبار أعلام الصحافة والسياسة أردنيا وعربيا. فقد كنت من الصادقين مع أنفسهم. فحقت لك محبة الناس. دخلت هذه الدنيا بسلام، وعشت بسلام، وخرجت بسلام.
لقد كنت فعلا مثالا للكلمة الطيبة على هذه الأرض، التي عرفت في أمثالك كيف تكون أخلاق الرجال ومعادنهم النبيلة. وإن رحلت، فستبقى ذكراك ماثلة في وجدان كل من تتلمذ على يدك، أو عرفك أخا وصديقا صدوقا.
(الغد)