لقرية الصّريح محبّةٌ خاصّةٌ وكبيرةٌ في قلبي لأسبابٍ عديدة؛ أوّلا: إنّها جزءٌ من محافظتي الغالية إربد، وثانيًا: إنّها بلدةُ أعزِّ الأصدقاء الذين رافقتُهم هنا أو في غربتي، وهم الأستاذ الدكتور رامي الشياب والدكتور فايز العثامنة والأستاذ الدكتور محمد أمين الروابدة.والغربة هي المحكّ!

هذه البلدةُ بلدةٌ جميلة، وهي ظاهرةٌ اجتماعيّةٌ وسياسيّةٌ وثقافيّةٌ تستحقّ الوقوف والتّأمّل! هذه البلدةُ صغيرةُ الحجم كانتْ وما زالتْ مصدرًا ومولدًا للعديد العديد من أصحاب الفكر والثّقافة والسّياسة وحتّى الرّياضة على امتداد الوطن. قبل سنينَ ليستْ ببعيدة (1989)، استطاع أربعةُ رجالٍ من هذه البلدةِ أن يفوزوا مرّةً واحدةً في الانتخابات النيابيّة فكان لها أربعةُ نوّابٍ في برلمان الوطن، وكلٌّ منهم يمثّل تيّارًا فكريًّا. وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنّه يدلّ على أنّها فسيفساء فكريّة متنوّعة ومتعدّدة تعكسُ الحجمَ الهائلَ الكبيرَ للتّسامح وقبول الرّأي الآخر وتقدّم الفكر ونضوجه وتنوّعه أيضًا!

هذه الظّاهرة الاجتماعيّة السّياسيّة ما كان لها أنْ تمرَّ في الدّول المتقدّمة دون دراسةٍ وتحليلٍ لمعرفة بذورِ هذا النّجاح، لتعزيزه والبناء عليه، ونشر بذوره في المناطق الأخرى لتعميمه. فهم لا يؤمنون بالصّدفة.

الكثيرُ منّا، ربّما لا يعلم أنّ رجالاً من بلدة الصريح، كانوا من روّادِ الرّياضة في محافظةِ إربد، وبالتّحديد لعبة كرة اليد، وقد ساهموا في تطوير هذه اللّعبة وكانوا خيرةَ نجومها في المنتخب الوطنيّ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، زيادُ الطّائر (هكذا كنّا نسمّيه لخفّةِ حركته في الملعب)، ونايف الصريحيّ، الرّجل الخلوق، وشقيقه إسماعيل.

مِن بلدةِ الصّريح رؤساءُ وزارات ورؤساء جامعات وعلماء أجلّاء لا أستطيع عدّهم وحصرهم لكثرتهم، ولئلّا يفوتني اسمٌ يستحقّ الذّكر!
الصّريح بلدٌ سهلُ المعشر كجغرافيّتها الجميلة، فهي سهل، لكنّه ممتنع، وفكرٌ حاضرٌ في بوتقة شخصيّة قويّة وابتسامة جميلة وراءها وثوق. أجملُ ما في الصّريح أنّها لكثرة نجاح رجالها في ميادين السّياسة والعلم والفكر، ترى الرّجل منها، يبحث عن أوّل فرصة لتعرف أنّه من ذاك المكان الجميل، فهو يعي ردّة فعلك كيف ستكون. وبهذا نرى كيف أنّ اسم المكان يستطيع أن يكون لساكنيه أصحاب النّجاح خيرَ معينٍ في كلّ مكان. والعكس صحيح؛ عندما تدخل الصّريح تسير في شوارع بسيطة وأحياء طيّبة، ولكنّك في لحظةٍ ما تخرج من جغرافيّة المكان لتسير في سيكولجيّته، بمرور أسماء كبار خرّجتْهم هذه البلدة العريقة، فتتخيّل أنّها تبتسم من مكان ما في بناية ما هناك، فتبدأ نفسُك تشعر أنّها تسير في قاعةِ جامعةٍ يحاضر فيها ابنٌ متميّز، أو مستشفى عالجك فيها يوما طبيبٌ عالم، أو وزيرٌ ناجحٌ مسقطُ رأسه فيها، فتسقط هيبة أبنائها عليها كمكان حتّى يتداخل في لحظةٍ ما ما هو إنسانيّ مع ما هو مكانيّ جغرافيّ، فتبدأ تتعامل مع الصريح كشخصيّة اعتباريّة لها مكانتها، وتتحوّل الأحياء والشّوارع إلى أيدٍ تصافحها وتنظر إليها بكلّ احترام اختزنه قلبك لأبنائها الذين التقيتهم في كلّ مكان!

وللأمانة، ما قلتُه عن الصّريح ينخلعُ على جميع قرانا، فهي بسيطةٌ في شوارعها ورائعةٌ في معشرها، وجامعات عريقة في تعليم التّربية والأخلاق!

الصّريح قريةٌ جميلةٌ نقيّة بيضاء، وولّادة للفكر والنّجاح ورجالات الوطن، وستبقى بإذن الله