مهنة تدقيق الحسابات وحماية اقتصادنا الوطني
محمد البشير
17-03-2021 04:34 PM
حماية الحقوق هنا تأخذ منحى عام ومطلق حيث يكثر التعثر، ويزداد استقواء إدارات الشركات ويرتفع منسوب شكوى الخزينة من التهرب الضريبي ويتواضع توزيع الارباح على المساهمين.. الخ من اشتقاقات لهذا العنوان ذو العلاقة بالمنشآت بشكل عام. فالعاملون مثلاً يعانون من التمييز عندما يصبح الامر متعلق بغياب الانظمة الداخلية لشؤون الموظفين او بإهمالها من قبل الادارة وبعدم الالتزام ببنودها ان وجدت، باستثناءات معدودة ببعض القطاعات التي ثبت ان منسوب الحوكمة يأخذ مكانة هامة في توزيع نتائج اعمال الشركات بين نفقات العاملين او حقوق المساهمين او حقوق الخزينة والاخرين.
ضمن السياق اعلاه شددت التشريعات من قوانين وانظمة على الشفافية والافصاح للبيانات المالية، وحاول علماء الادارة اقتراح الكثير من الضوابط المبنية على دراسات متعددة للحيلولة دون التعثر والعبث باموال المنشآت، الا ان الشكوى ما زالت حاضرة في الكثير من منشآت الاعمال سواء كانت خاصة او عامة وبقي السؤال الدائم الذي يسعى المتضررون للحصول على اجابة عليه، هو هل نجحت ادوات الرقابة العامة والخاصة في الزام ادارات المنشآت من تطبيق القانون، الانظمة والتعليمات او التشريعات الاشتقاقية كالحوكمة، الشفافية، الاستقلالية..الخ من مصطلحات زخر بها القرن الماضي والحالي دون ان تحقق هذه المنشآت الحماية اللازمة او تحصل الخزينة على حقوقها المثقلة اليوم بالنفقات الجارية المرتفعة والمديونية التي اصبحت اكبر من كرة ثلج خطرها قد يأت على الجميع!؟
في هذه الايام ينظر مجلس النواب في الكثير من القوانين المؤقتة التي مر عليها ما يزيد عن (15) عام ومنها قانون تنظيم مهنة المحاسبة القانونية رقم (73) لسنة 2003 المؤقت، والذي كرس اسماً غير موجود في علم المحاسبة من حيث ان لا وجود لمحاسبة قانونية ومحاسبة غير قانونية وكما نقول دائماً لا يوجد محاسبة بنوك ، تأمين.. الخ وانما هناك علماً للمحاسبة وعلماً للتدقيق وهما المترابطين حيث لا يمكن فصل احداهما عن الاخر بعد ان اصبحت قواعدهما او معاييرهما ذات مرجعيات عالمية ومحلية تتويجاً لخلاصة نظرية وعلمية وتطبيقات عملية على ارض الواقع لكليهما.
ان رعاية مهنة تدقيق الحسابات والاهتمام بها كان وما يزال مطلباً هاماً لحماية اقتصادنا الوطني اولاً، عبر حماية المنشآت من سوء الادارة الذي انتج تعثر وفشل الكثير من المنشآت، وشكل اعتداء على اموال المساهمين من خلال النفقات المبالغ بها، او بحماية اموال الخزينة بالحد من التهرب الضريبي من خلال الافصاح عن المعلومات المالية من جهة، والتأشير على المخالفات القانونية من الناحية المحاسبية من جهة اخرى وهذا جميعه لا يتم الا بدعم الاداة الرقابية الاهم للعاملين في مهنة تدقيق الحسابات ومؤسستهم الجمعية اليوم التي اصبح تعديلها الى نقابة، اسم يحكمه الدستور وفق المادة (16) فقرة (ج) منه, التي تم تعديلها بإضافة حق الأردنيين بتأسيس النقابات في التعديلات الاخيرة للدستور من جهة, بالاضافة الى ان المشرع سمح بتنظيم كافة المهن المشابهة في الاردن (طب، هندسة، صيدلة .. الخ ) بنقابات مهنية من جهة اخرى.
في المواد الاخرى التي بحاجة الى تعديل يأتي هنا اهمية المؤسسة التي تشرف على المهنة والمشكلة بالاغلبية بموجب القانون من ممثلي الحكومة وجزئيا من ممثلي القطاع الخاص (مدققي الحسابات القانونيين الاردنيين)، التي كانت تسمى مجلس مهنة تدقيق الحسابات من سنة 1985 حتى عام 2003 حيث كانت اجتماعاتها منتظمة ومؤسسة عامة فاعلة في دعم المهنة وحماية دورها في الاشراف والمتابعة اما بعد ذلك (القانون الساري) فالتجربة كانت مرة بعد ان انيط تشكيلها بالصف الاول من اداريي هيئات الرقابة الحكومية حيث الاعباء الحكومية التي تقع على عاتق هؤلاء، حالت دون تحقيق غايات المشرع في تعزيز دورها لحماية المهنة، حيث اصبح عقد جلسات الهيئة كل 4 شهور كحد ادنى، بعد ان كان شهرياً قبل 2003 مما جعل من المهنة اكبر المتضررين من هذا الغياب، بالاضافة الى تضرر العاملين في المهنة وجمعية المحاسبين القانونيين في وقت نما فيه حجم الاقتصاد الوطني من عام 2003 لاكثر من ثلاثة اضعاف في عام 2020، ومما زاد في الطين بله غياب تنظيم خدمات مهنية اخرى ذات علاقة، ساهم في الاعتداء على المهنة من بعض ممارسي اعمال المحاسبة، الانابة وخبراء الضرائب، الذين نظموا انفسهم بموجب قانون الجمعيات الخيرية. مما شكل خطراً على كل الاطراف ذات العلاقة من خزينة، مقرضين (بنوك) موردين والعاملين وحتى المساهمين واصحاب المنشآت على وجه العموم. مما يستدعي من مجلس النواب ولجنته القانونية الموقرة ضرورة تعديل النص الحالي والعودة الى تشكيل مجلس المهنة الذي كان ادارة رئيس ديوان المحاسبة وعضوية الصف الثاني لادوات الرقابة الحكومية (الاوراق المالية، البنك المركزي) بالاضافة الى مراقب عام الشركات، مدير عام دائرة ضريبة الدخل واساتذة في المحاسبة من الجامعات الاردنية ومدققي الحسابات القانونيين الاردنيين.. الخ.
ان التشديد على اهمية دور النقابة / الجمعية ودعمها ورعايتها بالتعاون مع الهيئة العليا وهيئات الرقابة الحكومية اصبح اليوم اكثر من ضرورة وهذا كله على طاولة البحث في اللجنة القانونية لمجلس النواب الذي نرى ان استجابته لما تطالب به الجمعية فيه مصلحة لاقتصادنا وخزينتنا والعاملين في مهنة التدقيق على حدٍ سواء من حيث تشكيل الهيئة العليا، ترخيص مدققي الحسابات القانونيين الاردنيين، الاعتراف بالامتحان المهني للشهادة المهنية غير الاردنية واخضاع حملة هذه الشهادات الى امتحان في التشريعات الاردنية، التدوير في تدقيق حسابات شركات الاموال، تصنيف مدققي الحسابات بما يتوافق مع تعليمات البنك المركزي، هيئة الاوراق المالية بما في ذلك تصنيف المكاتب وايضاً الخبرات لدى المحاكم، وكلاء الاعسار وغيرها من المتطلبات التي تحقق المصلحة العامة بعد مرور (18) عاما على تطبيق هذا القانون المؤقت وتدفع قدماً من اجل تحقيق اقتصاد وطني معافى في ظل تحديات كبيرة تواجه المالية العامة، خاصة الضرائب التي تشكل اكثر من 70% من الايرادات المحلية.