لم أرَ جلالةَ سيدِنا الملك عبدالله الثاني بن الحسين بهذه التعابير الحزينة الغاضبة سوى عند فُقدَانِنَا لشهداءِ الواجبِ بعدة أحداثٍ شهدها وطنُنَا بعدة أزماتٍ لكن العدو الذي كان يُعَكرُ صَفونا و يُدمي قلوبَنا كان عدواً واضحاً من غير جلدتنا ..عدوٌ دخيلٌ علينا وفي كل مرةٍ يكون رَدُنا قاسٍ عليهم مزلزل لكيانهم و لوجودهم ولامتدادهم ولجغرافيتهم وبكل المواقع و الأزمات بقي الأردنُ بقلاعه و حصونه وبقيادته وشعبه شامخاً عزيزاً عصياً منيعاً....ملاذاً لكل مظلوم و مكلوم وشوكةً بحلقِ كل متربص جحود.
بُنِي الأردنُ بعرق و جهد أبناءه المُخْلِصين الطيبين...بُنيَ الأردن بهمتهم و علمهم فرسم أطباءُنا و معلمونا و مهندسونا أروعَ و أبهى صورِ التَمَيز....أسمى وأجمل درجات الإتقان.
ما حدث في سَلْطِنا آذى و خنق كلَ
الأردنيين ....أدمى قلبَ كُلٍ حُرٍّ غيور
فالاستنفارع الملكي كان أسرعَ من استنفارِ أصحابِ ربطاتِ العُنُقِ الخمرية الجميلةِ....حُزْن هاشمي واضح على مُقَلِ سيد البلاد ...غَطَت الكِمَامَة جزءً من هذا الغضب ولكنه لم يَخْفَى على عيوننا و قلوبنا.
عَدونا و عدو مليكنا و عدو كل الأردنيين هو ما نَبَهْت و أشَرْت إليه بعدة مناسباتٍ و بسلسلةٍ من المقالات هو الوباء الإداري....نعم الوباء الإداري الذي نَخَر عَظْمَ وزارةِ الصحة منذ عدةِ سنوات وباءٌ استفحلَ و استقرَ بقلعةِ الأردنيين الصحيَّةِ الأولى .
لهذا الوباء الذي أوصل وزارة الصحة لما نحن فيه من تَرَهُلٍ و محسوبية وعدم مُرونَةٍ عدة سلالات....سلالات إدارية متحورة كان وما زال همها الأول تلميع الذات و محاولة اكتساب أكبر قدر ممكن من المنافع والمناصب الشخصية.
نسيت الطبقة الإدارية المخملية في وزارة الصحة أن أهم أولوياتها هي المريض و الطبيب والكادر الطبي فاصطدمنا بواقع اللاءات الثلاث لامنهجية لا تطوير لا تدريب.
نقص الأكسيحين الذي جثم على قلوبنا ما هو إلا جزءٌ يسير من اللاوعي الإداري في وزارة الصحة فهي الوزارة الوحيدة التي لا يَخْضَع مسؤلوها ومدراءُ مستشفياتها و رؤساءِ أقسامها إلى امتحان أو مقابلة فنية او تقييم شخصي فأغلب مسؤوليها وليدو الوساطات و التوصيات النيابية و العلاقات الشخصية أو التلميع الإعلامي الأصفر.
لم أسمع عن لجانٍ لتقييم المدراء أو قرارٍ أوحدٍ يتيمٍ فيه عتاب أو ملامة لإداري ....تُدَارُ وزارة الصحة بشبكة من الإداريين والمدراء المتجذرين والذين أصبحوا أهم عوامل الترهل و اللامبالاة فيها.
لكن يا ترى لماذا تتأخر صحوتنا ونستمر بسباتنا إلى أن تقع الكارثة أو إلى نفقد أرواحاً غاليةً على قلوبنا ألم نَتَعِظ بموت ملاك البراءه سيرين قبل فترة وجيزة من الزمن؟ بسبب الضعف الفني وغياب روح المسؤولية.
لماذا لا نستبق الأحداث؟
وجهة نظري أطرحها من خلال هذا المنبر الإعلامي الحر لأمل منشود وهو إصلاح وزارة الصحة.....ماذا تتطلب المرحلة لهذا الهدف؟
١.إقالة جميع مدراء المستشفيات وإقالة أمين عام وزارة الصحة ومساعديه وبث دماء إدارية شابه بعيدا عن المحسوبية و الشلليه وتدريبهم على الريادة و القيادة بمراكز حكومية مثل مركز الملك عبدالله الثاني بن الحسين للتميز...وإعادة تقييمهم بعد مرور سنه بناء على تطويرهم للعمل المؤسسي من أطراف خارج وزارة الصحة.
٢.تغيير البنية الإدارية والفنية بصورة كليةٍ في وزارة الصحة و ذلك بمرحلة انتقالية بالتعاون مع أطراف حكومية أو لجنة متخصصة مشكلة من رئاسة الوزراء لأطباء مشهود لهم بالتميز ومشار لهم بالبنان.
٣.تدوير المراكز القيادية و الوظائف الإشرافية و الفنية بعدم السماح لنفس الشخص بأن يكون في مركزه القيادي إلى ما لا نهاية أو لبلوغ سن التقاعد.
٤.التوسع بتطوير أطباء وزارة الصحة فنياً وذلك بابتعاثِ أعداد مناسبةٍ من الأطباء للقطاعات الطبية الأخرى في المملكة لتبادل الخبرات العلمية و العمليةِ وعدم الإكتفاء بابتعاث شخص أو شخصين من كل تخصص فليس من المعقول في المئوية الثانية للدولة أن تفتقرَ وزارة الصحة لأغلب التخصصات الطبية الفنية الدقيقةِ.
٣.عمل منظومة تشاركية فعالة بين مستشفيات وزارة الصحة المركزية والمستشفيات الطرفيه لتجنب انتظار المرضى بالساعات و الأيام في أقسام الإسعاف و الطوارئ أملاً بتوفر سرير
٣.إعادة النظر بجميع برامج الاختصاص من الناحية الفنية بالتعاون مع المجلس الطبي الأردني وتفعيل دوره التعليمي و المهني و عدم اقتصار وظيفته على تقديم الامتحانات.
٤.مطالبة القياديين في وزارة الصحة بعمل أبحاث علمية و دوائية و تقديم دراسات طبية حديثةٍ مستقلة لمنظومةِ وزارة الصحةوذلك بالحث الطبي وتقديم أوراقٍ علمية مُرْتبطة بالمجتمع وعاداته وتطويرِ مفهوم الطب الوقائي والعلوم الصيدلانية وطب المجتمع.
٥.ربط وزارة الصحة بكليات الهندسة وتفعيل دور الهندسة الطبية وذلك للحفاظ على مقدرات وزارة الصحة من الأجهزة الطبية والمعدات الحساسة و صيانتها بأيدي خبيره وليس من قبل فنيين بسطاء أقصى درجات الإتقان لديهم كتاب الإتلاف والعمل على تصنيع الأجهزة الطبية بأنامل مهندسين طبيين أردنيين.
٦.تمكين وزارة الصحة إعلاميا على المستوى المحلي و الإقليمي و ذلك بالبدء ببث برامج توعوية و إرشادية عبر شاشة التلفزيون الأردني وطرح انجازات وزارة الصحة من عمليات و دراسات من خلال أطباءها و كوادرها لمليء الفراغ الإعلامي الطبي الحكومي وتحديد جميع القنوات المرئية و المسموعه و المقروءه بالرجوع لوزارة الصحة قبل بث أي خبر طبي يحتمل الخطأ...وذلك لإعادة إحياء السياحة العلاجية و إعادة الثقة في الطب بالاردن و الذي بدء يفقده جراء الهجوم الإعلامي غير الممنهج على القطاع الصحي العام.
٧.التوسع بتعيينات الأطباء في هذه المرحلة و هذه المحنة وجعل بيئة وزارة الصحة بيئة عمل جاذبة وليست طارده للكفاءات و إعادة النظر بجميع عقود شراء الخدمات والتمديد لبعض الوظائف الإدارية التي تأخذ جانبا من التنفيع و اللامنهجية.
حمى الله الاردن و شعب الاردن و ملك الاردن و هواء الاردن و ماء الاردن وسماء الاردن وفك الله عنا هذه المحنه و أبدلها علينا بمنته وفضله.
طب الطوارئ والحوادث