هل التطوير الإداري عابر للحكومات؟
د. عوني إبراهيم الهلسا
16-03-2021 04:11 PM
لا أريد هنا أن ندخل في المفاهيم المختلفة للإصلاح الإداري والتطوير الإداري والتنمية الإدارية وإنما ندخل في صلب الموضوع مباشرة.
للتطوير الإداري أهداف محددة تختلف من دولة لأخرى وذلك حسب أنظمتها السياسية والاقتصادية، ولكن بشكل عام فإن الغاية من التطوير الإداري رفع قدرات الأجهزة الحكومية وصقل مهارات العاملين فيها بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة وفعالية (الحكومة الإلكترونيةمثال). وبطبيعة الحال تحتاج هذه العملية إلى خطة استراتيجية ورسالة واضحة ورؤية على المدى المتوسط والبعيد.
ونعود إلى التساؤل هل التطوير الإداري عابر للحكومات؟
للإجابة على هذا التساؤل، يجب أن نذكر بصورة سريعة المراحل التي مرت بها عملية التطوير الإداري وذلك منذ اللجنة الملكية للتطوير الإداري في مطلع الثمانينات ومرورَا بإنشاء وزارة التنمية الإدارية التي أُلغيت وبعد فترة أُنشئت وزارة تطوير القطاع العام والتي أُلغيت بدورها واستبدلت بوزير دولة لتطوير الآداء المؤسسي، وقد أُلغي هذا المنصب في التعديل الأخير لحكومة دولة الدكتور بشر الخصاونة وباعتقادي لقناعاته بعدم جدواها.
ماذا قدمت هذه الأجهزة من تطوير أو إصلاح؟
في الواقع لم تقدم هذه الأجهزة أي قيمة مضافة للإدارة العامة -كوني معاصرًا لهذه الحقبة من خلال عملي سابقًا في معهد الإدارة العامة- وتأكيدًا على هذا الاستنتاج خاصة بعد قراءة مقابلة جلالة الملك عبد الله الثاني مع وكالة الأنباء الأردنية وسؤال مدير عام الوكالة لجلالته حول أهمية الإصلاح الإداري، هل تحقق المطلوب؟ وكانت إجابة جلالته واضحة : أقتبس هنا "بصراحة ليس بعد، لذلك وجهت الحكومة إلى وضع برامج لتحقيق إنجازات عملية وملموسة لتطوير وتحسين فعالية جهازنا الإداري ويجب وضع معايير واضحة لتقييم الآداء وتحفيز الإبداع والعمل الجاد ويجب وضع برامج تدريب مستمرة لتنمية الكفاءات وتضمن مواكبتها للتطورات وتعيد الألق إلى جهازنا الإداري" (انتهى الاقتباس)
في الحقيقة إن التطوير الإداري ينبع من الجهاز نفسه وليس من خلال أجهزة خارجية أخرى كوزارة التنمية الإدارية ووزارة تطوير القطاع العام و.......الخ ، ومن واجبي استذكر هنا الإداري الفذ المرحوم نصوح محي الدين الذي وضع أسس التطوير الإداري في دائرة الأحوال المدنية والجوازات وكذلك في إدارة الترخيص إلى أن وصلت إلى هذا المستوى من التقدم من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات للمواطنين وإدخالها في إجراءات أعمالها وبالتالي لم يعد المواطن يشعر بأي ضياع للوقت والجهد عندما يحتاج إلى خدماتها .
لذلك أعتقد أن هناك تحديات تواجه التطوير الإداري بالإضافة إلى كونها فنية فهي سياسية تحتاج إلى قرار سياسي واستدامة لبرامج التطوير بغض النظر عن تغيير الحكومات من خلال استراتيجية ذات إطار زمني محدد تعنى بالتخطيط الحقيقي ضمن رؤية واضحة وإجراءات محددة.
وأود أن أقترح هنا إذا كان هناك رغبة سياسية في إصلاح الإدارة العامة أن يتم ذلك من خلال مستويين :
الأول: مستوى الإدارة العليا – وهذا يحتاج إلى إعداد قادة إداريين بطريقة علمية سليمة من خلال إنشاء مدرسة أو معهد أو تطوير معهد الإدارة العامة، لإعداد قادة إداريين (والتجربة الفرنسية واضحة من خلال المدرسة الوطنية للإدارة، التي تخرج منها معظم قيادات فرنسا سواء كانوا دبلوماسيين أو إداريين أو ماليين ...الخ). وأود أن أذكر هنا أن نبعد الأطباء وأطباء الاختصاص عن العمل الإداري من خلال إعطائهم المزايا التي يتمتع بها لقب المدير وهذا يحتاج إلى تعديل نظام الخدمة المدنية.
ولذلك فإن التطوير يحتاج إلى إرادة سياسية والابتعاد عن الواسطة والمحسوبية في اختيار قادة المستقبل من خلال خطوات محددة في عملية الاختيار.
المستوى الثاني: البدء من أسفل التنظيم في الأجهزة الحكومية إلى المستويات الوسطى من خلال إعداد برامج تدريبية واقعية تعكس فعلاً احتياجات كل وظيفة من المعرفة والقدرة والمهارة ومدى الالتزام في خدمة المواطنين والاستجابة لاحتياجاتهم. وأن يتم ذلك من خلال معهد الإدارة العامة ورفده بالكفاءات والخبرات في التدريب والتعلم، وهذا التدريب يحتاج إلى تعديلات في نظام الخدمة المدنية على غرار ماكان المعهد يقوم به من برامج تدريبية في الإدارة العليا والوسطى والتنفيذية، قبل أن يتم إلغاء قانونه واستبداله بنظام.
وأخيراً إذا فعلاً توفرت الإرادة السياسية أن يتم بناء إدارة حديثة تستجيب لمتطلبات القرن 21 وأن تضع الأوراق النقاشية لجلالة الملك كبرامج عمل لكل حكومة بغض النظر عن التغييرات في الحكومات ووضع برامج التطوير من خلال مجموعات عمل تتوفر لديها الخبرة والمعرفة والقدرة بعيدًا عن المصالح الخاصة والشخصية. وإذا ما تم ذلك سنصل بمجتمعنا الأردني إلى مستويات متقدمة في جميع المجالات.