ساهم اكتشاف المضادات الحيوية واللقاحات وتصنيعها في تحقيق الكثير من الإنجازات الطبية والبيوتكنولوجية التي مكنَّت الأطباء من معالجة العديد من الأمراض والأوبئة ومكافحتها عبر العقود المنصرمة.
تاريخ تصنيع اللقاحات حافل في المطبات، والمعارضة، والإنجازات أيضاً. لكن الجدل القائم حول لقاح COVID 19 له ما يبرره. فمنذ أكثر من عام والعالم يئن تحت وطأة فيروس كورونا الشرس عابر الحدود والقارات.
في البداية، اتبعت بعض الدول كبريطانيا والسويد وأمريكا (في عهد ترامب ) سياسة بناء المناعة المجتمعية ضد الفيروس ، لكنها وجدت فيما بعد أن سرعة انتشار فيروس كورونا ، وما يسببه من مضاعفات صحية خطيرة دون توفر العلاج الشافي للقضاء عليه لا تحقق الغرض. ومن هنا بدأت دول العالم في اتباع إجراءات العزل والسلامة العامة كاستخدام الكمامات والتعقيم والتباعد الاجتماعي والإغلاقات والحظر بأنواعه. الأمر الذي سبب أضراراً بالغة على حياة المجتمعات واقتصادها.
في نوفمبر 2020 ، أي بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على اعتبار فيروس كورونا جائحة عالمية، تمكن العلماء من تصنيع لقاح ضد فيروس كورونا. فكان هناك اللقاح الصيني –الإماراتي الذي اعتمد استخدام الفيروس نفسه ميتاً أو غير نشط في اللقاح. وفي التاسع من نوفمير 2020 اعلنت شركة فايز أيضاً تمكنها من تصنيع لقاحٍ يعتمد تقنية جديدة تتضمن حقن الجسم mRNA الفيروس كي ينتج بروتينات مشابهة للبروتينات السبيكيه الموجودة على سطحه، تؤدي بدورها إلى تكوين اجسام مضادة وبناء جهاز مناعي قادرعلى صد الفيروس.
كما تمكنت بعد ذلك شركة موديرنا الأمريكية من تصنيع لقاح مستخدمة التقنية ذاتها بالتعاون مع شركة Merck. وقد بدأ استخدام هذه التقنية عام 2017 في مجال أبحاث السرطان وما زال العمل في هذا المضمار قائماً.
جاء بعد ذلك الإعلان عن اللقاح الروسي سبوتنك والبريطاني Astrazeneca-Oxfordاللذان اعتمدا استخدام فيروس ناقل (Adenovirus)لحمل المادة الوراثية لفيروس كورونا في اللقاح.أما شركة جونسون آند جونسون الأمريكية فقد اعتمدت على Cold virus لنقل المادة الوراثية لفيروس كورونا في اللقاح كي تحدث المناعة في جسم المتلقي. محاولات أخرى في دول عدة لتصنيح وتطوير اللقاح مستمرة.هذا وتتفاوت نسبة فعالية هذه اللقاحات حسب عمر الإنسان، وشدة المرض ،والإصابة بالفيروس، لكن جميعها تتجاوز فعاليتها 60%. وعلى الفرد أن يحصل على جرعتين من اللقاح حتى يتشكل الجهاز المناعي ضد الفيروس، عدا لقاح جونسون الذي يحتاج جرعة واحدة. اللقاحات لا تعطي فاعلية 100%، لهذا عندما تصل الفاعلية إلى 95%، تعني أن هناك 5 اشخاص لكل 100 ممن تلقوا اللقاح، لا تتكون لديهم أجسام مضادة للفيروس. ومن هنا تأتي أهمية إجراء فحص الأجسام المضادة بعد شهر من أخذ الجرعة الثانية، حيث يُنصح هؤلاء بأخذ جرعة ثالثة.
لم يعد هناك مجال للشك في أن الطريق الوحيد لمكافحة هذا الوباء ومنع انتشار الفيروس هو تحقيق المناعة المجتمعية . ويتطلب هذا الأمر توفير اللقاح لحوالي 70%-80% من سكان العالم الذي يتجاوز 7.8 بليون وليس فقط من هم قوق 16 عاماً . فقد سجل العالم حتى الآن أكثر من 120 مليون إصابة وأكثر من 2.7 مليون وفاة . ولن يقف الأمر عند هذا الحد ، فكلما زاد عدد الإصابات، تزداد فرصة حدوث طفرات للفيروس تؤدي إلى ظهور سلالات جديدة أسرع انتشارا وأشد ضرراً ،فتنخفض فاعلية اللقاحات المتوفرة ولا تتحقق المناعة المجتمعية المنشودة.
ففي الوقت الذي اتبعت فيه بريطانيا سياسة إعطاء اللقاح للجميع ، وعندما بدأت تقترب من الهدف ظهرت السلالة البريطانية الجديدة للفيروس، فأربكت جهازهم الصحي وعاد إلى المربع الأول في المقاومة. واستطاع نتنياهو الحصول على أكثر من 10 مليون جرعة لتحقيق مناعة مجتمعية تزيد عن 95% في اسرائيل. والدول المصنعة للقاح لها الحق في السعي لتحقيق المناعة المجتمعية قبل غيرها،. لكن هذا الأمر لا يكفي إذا يقينا نتحرك في إطار القومية الضيقة في اللقاحات. فلن تكون دولة في العالم في مأمن من الكورونا إذ لم يتم أعطاء اللقاح إلى 70% - 80% من سكانه وبسرعة. وظهور السلالات الجديدة في البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها التي تزيد سرعة انتشارها عن 80% من المناعة المجتمعية جرس إنذار للعالم أجمع من أجل حصول كل شخص على اللقاح بغض النظر عن جنسه ولون بشرته وفقره أو غناه.
لن تصل أية دوله في العالم إلى المناعة المجتمعية وما زال هناك دول فقيرة ومناطق نائية لا يصلها اللقاح. فلا يمكن بقاء الحدود والمطارات وشبكات النقل مغلقة حتى تحمي الدولة مواطنيها من الكورونا. الخطر سيبقى جاثماً على صدورنا حتى يصبح العالم أجمع في مأمن من هذا الوباء. هناك مبادرات من منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع إئتلاف COVAX على إرسال 2 بليون جرعة من اللقاحات إلى الدول الفقيرة. هذا أمر جيد، لكننا نحتاج إلى المزيد من المبادرات والإسراع في عجلة الانتاج والتوزيع دون احتكار.
سجلت الأردن أمس إصابات بفيروس كورونا تكاد تصل إلى 10آلاف وأكثر من 80 حالة وفاة. المئات من المصابين في المستشفيات والكادر الصحي مثقل بالضغوطات.علينا أن ندرك أنه آن وقت التصرف بمسؤلية وواجب وطني في اتباع الآرشادات الصحية المطلوبة والحصول على اللقاح المتاح كي نخفف من وطأة هذا الوباء اللعين.