بركات النظام العالمي الجديد إلغاء اوطان وتفكيك اخرى
يوسف عبدالله محمود
15-03-2021 12:38 PM
ليس الزمان وان حَرِصت مسالماً خُلقُ الزمان عداوة الاحرار
(ابو الحسن التهامي)
عالمنا في ظل العولمة المتوحشة والنظام العالمي الواحد يعيش "شراسة" لا تعادلها شراسة .. قوة جبارة لا انسانية باتت تتحكم في مصيره وفي حياة البشر الذين يعيشون فيه.
قالوا لنا إن العالم قد تحول بفعل التكنولوجيا المتطورة الى قرية يجد الانسان فيها نفسه. ومع الاسف فهذه القرية التي تحدثوا عنها امست موبوءة، خرجت عن مدارها الانساني لتستحيل الى "خراب"!
لم يجد الانسان نفسه فيها، كل ما فيها تهميش وابتزاز.
قوة عالمية واحدة تستفرد اليوم بعالمنا الانساني. تطارد احلام الانسانية. مصلحتها القومية فوق كل اعتبار. إنها امريكا بوجهها البشع -استثني الشعب -تمارس "العنف" في كل بقاع الارض. تم ذلك بعد ان نجحت في تدمير المنظومة الاشتراكية.
غاب الانسان عن اهتمامات هذه القوة المتجبرة. غابت همومه وسلامته وأمس تحت رحمة نظام عالمي أحادي ضرب عرض الحائط بالقيم الانسانية. نظام يقوم على "شريعة الغاب" لا يعترف بالقوانين الدولية.
اتساءل، هل فعلاً اصبح العالم "قرية" يسودها الوئام ام ان هذه القرية بات التفكك الاجتماعي يعمها على حد قول عالم الاجتماع د. حليم بركات.
امبريالية عالمية تقود العالم اليوم في ظل انظمة سياسية هشة "الاذعان" يحكمها للسيد المتجبر. وحدها "النخب السياسية والاقتصادية" هي المستفيدة من بركات النظام العالمي الجديد. هذه "النخب" لا تعترف بغير مصالحها الخاصة، تبيع شعوبها "اوهاماً" تدرك هذه الشعوب كذبها وخداعها!
ما اسوأ ان تُباع الشعوب اوهاماً! ما أسوأ ان يُستهان بخيارات الشعوب! خيارات الشعوب باتت تُقمع بالحديد والنار!
في المجتمعات النامية تكثر التبريرات التي تُسوقها النخب الحاكمة وهي تشير الى فقر الفقراء في بلدانها. تعزو سبب ذلك الى تقاعس مواطنيها وقلة طموحهم. انه الكذب والبهتان. فقر الفقراء سببه "الاستغلال"، سببه تواطؤ انظمة حكم خانت شعوبها مع امبريالية عالمية.
لا تنمية حقيقية في هذه المجتمعات، مواردها الاقتصادية تتقاسمها النخب الحاكمة مع الامبرياليين، لا عدالة اجتماعية في البلدان النامية. ان برز حاكم فيها يريد ان يشق عصا الطاعة تم اغتياله او الاطاحة به.
كلنا يعلم المصير الاسود الذي لحق بزعيم غانا نكروما حين تم اغتياله لانه رفض املاءات الامبرياليين وغيره كثيرون لقوا نفس المصير.
عن اي نظام عالمي يتحدثون؟ شعارات مضللة يطلقها دُعاته على الارض يمارس نقيض هذه الشعارات. يبرر للجزار جرائمه الانسانية. اما "الضحية" فلتذهب للجحيم. وخير مثال ما يجر على ارض فلسطين المحتلة. انتهاك صهيوني للقوانين الدولة.
الامبريالية "والنخب البرجوازية" في المجتمعات النامية تبرر "الطبقية". في كتابه المترجم "بعيداً عن اليسار واليمين" لانطوني جيدنز مستشار الرئيس الامريكي السابق كلينتون (ترجمة شوقي جلال)، يقول جيدنز منتقداً "المجتمعات المدنية" بخُبث: "المجتمع المدني قد يشجع على تفجر النزعات الاصولية المقترنة بتزايد احتمالات العنف". (المرجع السابق ص 161)
في كتابه يحدثنا المؤلف عن "نموذج تجديدي للمساواة" يؤدي الى تبني "ميثاق جديد بين الغني والفقير على ان يكون هذا الميثاق جهداً تفاوضياً مؤسساً على تغيير اسلوب الحياة" (ص 237)
عن اي اسلوب تفاوضي يتحدث؟
يُراوغ جيدنز كشأن الليبراليين الجدد حين يبدون تعاطفاً كاذباً مع الفقراء مع انهم في الحقيقة من بنية النظام الرأسمالي.
أمثال هذا الكاتب يجيدون "التنظير" الذي لا يعالج "الطبقية" من الجذور. في رأيهم ان فقر الفقراء مبرر لأنهم عاجزن عن اللحاق بالاغنياء الذين يتمتعون بالنشاط والقدرة على الظفر بطموحاتهم!
من قال هذا؟ من قال ان الفقراء لا يمتلكون "الطموح". أليست العقبات تحاصرهم من نظام عالمي متوحش!؟ لماذا لا يُشار الى الاسماء بمسمياتها؟
في كتابه "من الحريات الى التحرر" يرفض د. محمد عزيز الحبابي هذا اللامنطق الذي يجيده الليبراليون الجدد. يقول: "إن المزاحمة هي منبع الشر، هي التي اطلقت مقولة "جوبلز" "الانسان ذئب لأخيه الانسان". (المرجع السابق ص 7)
يرفض د. الحبابي مقولة "الاقتصاد الحر" او "التبادل الحر" و"المشاريع الحرة" لانها مفردات خبيثة تتحايل على القيم الانسانية وتبرر "الاستغلال". وكما يرى فإن "المزاحمة" هي التي فجرت وتفجر الحروب الاستعمارية. وبمفرداته: "المزاحمة" "حرب بقناع وابتسام". (المرجع السابق ص 172)
يبقى ان اقول إن مغادرة "شراسة الواقع" عالمنا المعاصر لن تتم الا حين يؤمن قادة هذا العالم بمفهوم "انسنة الانسان سياسياً واجتماعياً". دون ذلك لن يستتب السلام في العالم. ستبقى ايديولوجية الطبقات المرفهة التي تسوغ الواقع العالمي البائس هي السائدة. في ظلها لن تكون هنا عدالة اجتماعية.
هناك فقط اغتيال للبراءة الانسانية. لا ضمان لسلامة هذه البراءة وسط حروب عبثية تدعمها امبريالية عالمية تتعامل مع الآخرين بمعايير مزدوجة وفق مصالحها.
رغم بشاعتها الانسانية. انه زمن إلغاء الاوطان وتفكيكها وسحق انسانية الانسان.