العبث الإسرائيلي بالزيارة
د.محمد المومني
15-03-2021 12:07 AM
قرر سمو ولي العهد إلغاء الزيارة للقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في ليلة الإسراء والمعراج، بعد تغييرات على إجراءات الزيارة أدخلتها إسرائيل في اللحظة الأخيرة. التغييرات كان من شأنها التضييق على المقدسيين في ليلة دينية مباركة، فجاء القرار الملكي بعدم حدوث ذلك وإلغاء الزيارة. ما قامت به إسرائيل لا يمكن أن يفهم إلا أنه عبث سياسي لا طائل منه إلا تعميق حالة عدم الثقة والبرود السياسي السائد بين الأردن وإسرائيل، وقد أغضب سلوكها كل الأردنيين لأن ما حدث مع قيادتهم مساس بكل واحد منهم.
إلغاء الزيارة يحمل ثلاث دلالات رئيسية: أولاها، رسالة تعاضد وتضامن مع المقدسيين الصابرين تحت الاحتلال، وأن الأردن وقيادته لن تقبل التضييق عليهم وهم الذين يعانون الأمرين بسبب الاحتلال. هي رسالة أن الأردن قيادة وشعبا، يقف معهم ويشد من أزر المقدسيين في كفاحهم الوطني بالحرية والاستقلال. ثاني الدلالات رسالة لإسرائيل، وهي أن الأردن لا ولن يقبل بهذه السلوكات السياسية المراهقة التي ستؤثر سلبا في العلاقات الثنائية، وإن موقفه كان وما زال أن القدس مدينة تحتلها إسرائيل الملزمة بسلوكات قانونية معينة كقوة قائمة بالاحتلال. اما الدلالة الثالثة فللعالم أجمع، وهي أن الموقف الأردني واضح وقوي في الدفاع عن القدس وأهلها، وأن الأردن لن يألو جهدا أو يوفر وسيلة ضغط إلا ووظفها للإبقاء على الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس.
في مثل هذه الأحداث، توجه كل مؤسسات الدولة لأخذ الإجراءات ردا على ما قامت به إسرائيل، وجاء الرد الأردني سريعا بطريقة تعامله مع رحلة نتنياهو عبر أجوائه، ما حول زيارة نتنياهو للإمارات العربية عبر الأجواء الأردنية، ما حدث أمل نتنياهو ان يحصد نتائجه انتخابيا، ليتحول لفضيحة سياسية أظهرت للناخب الإسرائيلي مستوى الرداءة بالعلاقات مع الأردن بسبب سلوكات نتنياهو. رد الفعل الأردني لم يمس التزامات الأردن القانونية بموجب معاهدة السلام، لكنه غيض من فيض بما يمكن للأردن أن يفعله في مواجهة سياسات نتنياهو الاستفزازية.
العلاقات الأردنية الإسرائيلية معقدة ومتشعبة ومهمة للطرفين، وعقلاء إسرائيل يدركون الأهمية الإستراتيجية الكبيرة المتأتية عن علاقات حسن جوار مع الأردن، الذي لديه سجل مصداقية عال في الالتزام بمعاهدة السلام، وأثبت ذلك على مدى سنوات طويلة، وقد فعل ذلك لإيمانه بالسلام ولمصلحته الإستراتيجية بالمعاهدة، لكن الأردن لن يعدم الوسيلة في الوقوف بوجه سياسات واستفزازت نتنياهو.
هذه هي مشكلة الأردن الأساسية مع إسرائيل، نتنياهو شخصيا وذاتيا وسلوكاته وقراراته التي لا تراعي حسن الجوار، ولا تلتزم بروحية السلام، بل تقفز في أحيان على معاهدة السلام وبنودها القانونية مثل الذي حدث من إعلان للنية بضم أراضي الغور الفلسطيني الذي سيقوض حل الدولتين المنصوص عليه بالاتفاقيات الموقعة.
هناك كثير من فرص الإفادة الأردنية والإسرائيلية إذا ما سادت أجواء التعاون واحترام مصالح الأردن السيادية، وعلى رأسها قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لكن هذا لن يتأتى في ضوء وجود رئيس وزراء لإسرائيل لا يقبل ولا يحترم أهمية الأردن الإستراتيجية ومصالحه العليا.
(الغد)