ما زلنا نعمل بمفهوم الفزعة ونبتعد أشواطا عن العمل المؤسسي الذي ينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة، نتيجة إرث ثقيل وممارسات تقليدية تعود لسنوات خلت، لم نسع إلى تطويرها لبناء شكل جديد يؤطر لعلاقة صحية بين المؤسسات.
التناغم والتواصل بين المؤسسات الرسمية يمثل نقطة البداية اذا ما أردنا أن نحسن من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، ليس في القطاع الصحي وحسب، بل في القطاعات كافة التي باتت تشهد تراجعا ملحوظا بعد أن أصبحت العلاقة قائمة على التنافر والتناحر وغياب العدالة في تقديم الخدمة المثلى حيث لا ثواب ولا عقاب، بسبب موروث ما زال يُكتنز في عقول العامة أن من حظي بفرصة عمل في القطاع العام، فهو في مأمن من العقوبة ولا أحد بمقدوره اقتحام ملعبه، مما أفقد القطاع هيبته وانعكس على مستوى خدماته.
مطلوب من الحكومة إعادة النظر في مفهوم العمل العام، وأن تعمل على غرس القيم المؤسسية التي تشكل أساسا صلبا يؤطر لعلاقات مؤسسية متينة وسليمة، تحقق الغرض من إنشاء هذه المؤسسة أو تلك، وبخلاف ذلك سنبقى نحارب طواحين هواء وأسرى لردات فعل أثبتت عبر سني طوال فشلها، في إيجاد منظومة مؤسسية متماسكة، فنحن اليوم نحصد ما زرعنا.
ما حدث في مشفى السلط كان نتيجة مباشرة لحالة الترهل الإداري والابتعاد عن ثقافة المبادرة ونقص جينات الانتماء لدى البعض لوطنهم قبل مؤسساتهم التي يعتاشون منها، إذ لم تشفع أحوال مرضى لا حول لهم ولا قوة، من أن تجد طريقا لقلوبهم الملآ بالسواد بعد أن تجردوا من كل القيم الإنسانية والوظيفية.
العلاقة بين الرسمي والشعبي يشوبها عدم الثقة، بعد أن فشلت السياسات الحكومية في ردم هذه الفجوة، وقد ساعد على ازدياد مظاهر الاحتجاج المستوى المنحدر للخدمات، وعجز الحكومات عن تلبية الحد الأدنى من تطلعات المواطنين في تقديم خدمات تليق بهم، مع ازدياد ملحوظ في معدلات الفقر والبطالة التي لم يعد بمقدور المواطن تحملها أو السكوت عنها.