لم أكن أود أن أكتب عن الكارثة التي حصلت اليوم في مشفى السلط وراح ضحيتها العديد من مرضى التنفس الاصطناعي رحمهم الله وصبّر ذووهم لأن ما كُتب وما سيكتب لن يرقى لمستوى هذه الفاجعة التي هي وكانّها رأس حربة حاد أو سهم مسموم أصاب قلب الوطن وقلوب كل ساكني ّ أرضه ومن هم مغتربون عنه...

لن اتحدث عن الاهمال الشديد والتقصير الكبير الذي سبب اختناق هؤلاء الضحايا، ولن اتحدث عن المطالبة بمعاقبة المسؤولين شر عقاب وهذه مسؤولية أصحاب القرار الشرفاء في البلد، ولن أتحدّث عن مدى غضبي وألمي وكم أنا حزينة لما حدث من مصاب جلل جعلنا جميعا نشعر بالاختناق رغم وفرة الاوكسيجين في الهواء المحيط بنا، ولكن أريد أن أشير الى ما شعر به أهالي الضحايا وهم يبذلون قصارى جهدهم ويركضون كمن مسّه ضرب من الجنون في أروقة المشفى يتوسّلون تأمين اكسير الحياة لأحبائهم وهم يصارعون الموت اختناقا، وعندها تبادر إلى ذهني فورا شخص عزيز وغالي جدا على قلبي أصيب بفيروس كورونا وكان من تداعيات هذا المرض اصاباته بالتهاب ذات رئة حاد ( pneumonia ) الأمر الذي أفقده القدرة على التنفس بدون مساعدة اوكسيجين خارجي لمدة شهر ونصف ( بسبب تضرر رئتيه بنسبة 70 ‎%‎ ) ومع الاشارة الى أنه وبسبب عدم تعاطيه الدخان أبداً في حياته تحسّن وتحسًنت وظائف رئتيه بشكل كبير والحمد لله واصبح الآن يتنفس تدريجيا دون مساعدة خارجية من اسطوانة اوكسيجين كانت رفيقة دربه لمدة من الوقت كان الحزن سيد الموقف فيها في عائلتي ، عاد بي الزمن الى وقت مكوثه في المشفى معتمدا في تنفسه وبقاءه على الحياة على هذا الغاز الذي نستنشقه نحن من دون ان نشكر الله على نعمته هذه وفكّرت كيف كان سيكون احساس قلبي لو علمت انه وبسبب فساد اداري واهمال طبي بشري فقدته للأبد...انفطر قلبي حزناً على من عانوا ما كنت سأعانيه لو حصل ذلك ... ما شعور هؤلاء الضحايا وهم يشعرون بالاختناق فجأة ولا يستطيعون الحصول على رشفة غاز وهبنا الله لنا مجانا وهم يدفعون ثمنه لينقذهم من براثن الموت ! هل استطاعوا أن ينطقوا الشهادتين أو يصلّون لله والمسيح صلوات الرأفة والرحمة!

الشهداء رحمهم الله سيكونون ان شاء الله جسراً لعبور سلطة مكافحة الفساد والاهمال بكل أنواعها وصولاً إلى كافة مؤسسات الدولة وقطاعاتها من أصغرها لأكبرها، وسيكون موتهم ثمناً كبيراً دفعوه اختناقاً ليكون درساً قاسياً لمن ستسوّله نفسه خيانة الوطن وأهله بارتكاب خطأ ولو كان صغيراً في حقهما...

لن تذهب دمائكم هدراً بإذنه تعالى وسيأتي يوما آجلاً أم آجلا سننزع فيه سم الفساد الزعاف من خاصرة وطننا وكل وطن عربي يعاني من شروره...

عزائي الحار لنفسي ولأهل السلط وللوطن.....