الجمع بين حقيبتي التربية والتعليم العالي تجربة غير مفيدة
أ. د. انيس الخصاونة
11-03-2021 06:37 PM
في الوقت الذي يعتبر منصب الوزير منصبا سياسيا بامتياز فإن هذا الموقع هو جزء مهم من السلطة التنفيذية، ويشكل محورا مهما من محاور الإدارة العامة للدولة باعتبار مسؤوليته التضامنية كجزء من مجلس الوزراء المناط به إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.تأسيسا على ذلك فإن الوزراء ليسوا موظفي خدمة مدنية وتعيينهم ليس بالضرورة أن يتم على أساس التخصص والمؤهلات التعليمة، طبعا يستثنى من ذلك عدد محدود من الوزارات التخصصية مثل وزارة الصحة وتكنولوجيا المعلومات ووزارة الدفاع وربما وزارة التربية والتعليم.
دأبت الحكومات الأردنية المتعاقبة على دمج بعض الوزارات أو تكليف بعض الوزراء بحقيبتين وزاريتين في آن واحد، وذلك من باب ترشيق العمل الإداري تارة، أو من باب اختصار التكاليف وتكامل طبيعة العمل تارة أخرى. وفي الوقت الذي ندعم اختصار عدد الوزارات الهائل في الأردن والتي تتجاوز عدد نظيراتها في بعض الدول الديمقراطية الكبرى مترامية الأطراف، فإن تكليف وزير واحد لوزارتين مثل التربية والتعليم العالي والبحث العلمي قرار ينطوي على ما ينطوي عليه من خطأ، حيث أن كل من هاتين الوزارتين تحتاج إلى وزير متفرغ ليس فقط بسبب حجم كل منهما وإنما بسبب جسامة وأهمية الرسالة والأهداف والتأثر لكل منهما على كافة قطاعات المجتمع.
لا أعلم كيف يمكن لوزير واحد أن يغطي عمل وزارتين مهمتين وخصوصا في ظل أوضاع وظروف ومشكلات استثنائية سببتها جائحة كورونا.
لا أعلم كيف يمكن أن يقوم الوزير بتوزيع وقته بين الوزارتين في حين أن كلا القطاعين قطاع التعليم المدرسي وقطاع التعليم العالي يواجه تحديات كبيرة في ظل التعليم عن بعد، وفي ظل مشكلات في تقييم أداء الطلبة، وفي ظل التبعات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن التعليم عن بعد.
حديثنا هذا وتساؤلاتنا بالتأكيد لا تنتقص من معالي الأخ الدكتور محمد أبو قديس وزير التربية والتعليم العالي، فأنا أعرف الرجل وتزاملنا معا كعمداء كليات في إحدى الجامعات الرسمية وأعرف إمكاناته وطموحاته ،وقد عولنا الكثير على تعيينه وزير للتعليم العالي والبحث العلمي ونعلم أن له رؤية معينة ومشروع تطويري طموح، ولكن القضية المحورية هنا أن العبء الكبير لوزارة التربية والتعليم سيحول دون تفرغه لإنجاز التطوير في الجامعات ،وربما لن يتمكن من إنجاز الكثير في وزارة التربية التي تواجه تحديا هو الأكبر ربما منذ تاريخ إنشائها.
التعليم العالي بحاجه لكامل طاقة الوزير إذ من الصعوبة أن يقسم جهده ووقته وإمكاناته بين وزارتين مختلفتين في جوانب عديدة ومتنوعة.
نأمل أن الجمع بين حقيبتي التربية والتعليم العالي هو مؤقت بسبب ظروف التعديل الوزاري، والرغبة في تقليل عدد الوزراء، ونعتقد أن هذه التجربة لا تصلح لا بين وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ولا مع وزارات أخرى غير التربية والتعليم العالي.
من جانب آخر فإننا نعتقد بأنه إذا كان هناك تقارب بين الوظائف والغايات التي تسعى وزارتين محددتين لتحقيقهما، فإن الأمر يقتضي دمج الوزارات وليس تكليف وزير واحد لوزارتين، وهذا بحد ذاته يمكن أن ينطبق عليه مبدأ ترشيق المؤسسات وتنسيق عملها الإداري، واختصار النفقات.
أعان الله وزير التربية والتعليم العالي الدكتور محمد أبو قديس على النهوض باستحقاقات ومتطلبات العمل في وزارتين رئيسيتين،ونحن وإن كنا نتمنى أن يتفرغ لإنجاز ما يمكن إنجازه في التعليم العالي فإننا على يقين بأن قبوله لحقيبة التربية والتعليم إضافة للتعليم العالي هو ربما خيار الضرورة والظرف وليس اختيار القناعة والتفضيل.