لا أريد الحديث عن العشيرة ودورها وأهميتها في المجتمع الأردني, فلقد تطرقت لهذا الموضوع في مقال سابق لي بعنوان "نعم للعشيرة ...ولكن" وهو وموجود على مدونتي, وكذلك فقد تم بحث هذا الموضوع من قبل كتاب آخرين. لكن ما أود اضافته هنا هو أن العشائرية صفة غالبة في المجتمع العربي من شرقه الى غربة باستثناء بعض المناطق (العواصم تحديداً) في بعض الدول. أما البلدان التي ألغت العشائرية من قاموسها ومفرداتهما فإنها استعاضت عنها بنظام الحزب الواحد , وهذه حالها لا يخفى على أحد. وعندما اندحر هذا الحزب واصبحت البلاد بحالة فوضى لجأت تلك الدول الى العشائر مرة أحرى, فكانت تلك العشائر هي مجالس الحكم للبلد وبرلمانها غير المنتخب. ولهذا لا غنى لمجتمع عربي أن يستغني عن العشائر فيه, نحن هكذا , خلقنا الله شعوبا وقبائل مهما قال المحدثون ومهما تندر المتندرون. لقد سمعت من الدكتور محمد نوح القضاة على قناة نورمينا أن قريشا سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن نسب الله تعالى فنزلت سورة الأخلاص أجابة لهم. وهذا يعني بشكل صريح أنه لا غضاضة بالعشيرة أو الأعتزاز بالنسب, طبعا مع كراهية التعصب.
وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن العشائر كسلبية نتيجة أحداث العنف التي تخبو وتظهر من حين الى حين وتم تلبيس هذه العشائر لباس المذنب باعتبارها سبباً لهذا العنف, حتى أنه كل ما دق الكوز بالجرة قالوا العشائر, لدرجة أنني أصبحت أخاف أن تتهم العشائرية بأنها سبب المديونية التي تتزايد عاما بعد عام. و يُعتبر هذا الطرح مجحفا بحق عشائرنا. ومن منطلق أنها العباءة التي يتدثر بها المجتمع الأردني, تحملت العشائر هذا الإجحاف ولكنها وفي كل مناسبة تعلن براءتها من هذا, كل ما سنحت لها الفرصة. ومع هذا لم يجد اصحاب الحلول السحرية الا شطب اسم العشيرة من بطاقة الأحوال كأحد الحلول. نعم لقد أعلن مدير الأحوال المدنية أنه لا نية لشطب اسم القبيلة من الهوية, ولكنا تعودنا عندما يصرح مصدر مسؤول دون مناسبة أنه لا نية لعمل (كذا) أن هذا بالون اختبار أو تجهيز لعمل هذا (الكذا) ولذلك هب المدافعون عن العشيرة ليذودوا عن حماها ضد من يريد أن يجعلها كبش الفداء.
يبقى السؤال مطروحا: ما هو دور العشيرة في أحداث العنف التي يشهده بلدنا ؟ هل هي من تذكي ناره أم من تطفأها؟ تدل كل الإشارات أنها هي من تطفأها ولكن بطريقتها العشائرية التي فيها تطيب للخواطر والكثير من اللين لما تعنيه العشيرة من رحمة بأبنائها, وهي عون للقانون وليس ضده بالمجمل العام. لقد سعدت أنا شخصيا بتشكيل اللجنة الحكومية التي تقرر تشكيلها مؤحرا للبحث باسباب هذا العنف, ولكني أحط يدي على قلبي ان تخرج بنتيجة غير منصفة للعشائر تمهيداً لقضية شطب اسم العشيرة من الهوية كما تناقلت وسائل الإعلام.
وحتى لا تجد العشيرة تفسها في مهب الريح وقد تجازوها الزمن فعليها أمران مهمان برأيي المتواضع.
أولاً:
يجب أن تقوم العشيرة ممثلة بكبارها بمراجعة شاملة لنهج سيرها, لأنه ورغم اصالتها قد طالتها الحداثة بالمصالح الشخصية عند البعض, وعلا صهوتها من ليس بفارس, لاهم له الا الوجاهه ولو على حساب عشيرته فيوقعها في مطبات سواء مع غيرها من العشائر أو ربما مع الحكومة, فتخرج العشيرة من حفرة لتقع في دحديرة كما يقول المثل. لذلك يجب أن تأخذ هذه العشائر على يد هؤلاء لييقى قلب العشيرة على بعضها وعلى غيرها من عشائر الوطن الأخرى. هناك نفسيات غيرتها الظروف واصبح لا هم لهم الا أن يكونوا دائما بالصورة وبالإعلام وبأي ثمن. وأذا أردنا أن ننهض بعشائرنا يجب أن نعترف بهذا , لأن هذا يشكل الإصلاح الداخلي للعشيرة.
ثانياً: يجب أن تتنادى العشائر الأردنية جميعها لإصدار ميثاق شرف عشائري يحدد دور العشيرة ويتجاوز بعض العادات التي عفى عليها الزمن ولم تعد تناسب الزمن الحالي مثل الجلوة على سبيل المثال لا الحصر لأن شيوخ العشائر يعرفون أكثر. فالجلوة كانت سهلة عندما الشخص يهد بيت الشعر في مكان وينصبه في مكان آخر, فماذا يفعل الآن من له بيت ومصالح تجارية واولاده بالمدارس. نعم أتفق مع بعض الشيوخ الذي يقولون أن الجلوة لحماية أهل الجاني من فورة الدم. وفورة الدم هذه يجب أن تُضبط ايضا, فعندما يكون الجاني بيد القضاء فلا داعي لأن يجلي كل قرايبه من أجل ذلك الجاني.
كذلك يجب أن يتضمن ميثاق الشرف موقفا محدد وواضحا من سيادة القانون وخاصة بجرائم القتل, فليس من المعقول أن يتم تجاوزه. وهنا أرى أن يقتصر دور العشائر على الجوانب الاجتماعية والأنسانية لأن هذا هو جوهرها, فعندما وضعت القوانين العشائرية سابقا وحددت ما يُقال ويُفعل في حالات القتل انما كان ذلك بغياب القانون والدولة, وليس العكس. وطبعا لا يمكن إغفال الجانب السياسي الإستشاري للعشائر عندما تدعوا الحاجة لأنها كما اسلفت هي البرلمان الوطني غير المنتخب.
إن قضية ميثاق الشرف هذا لا تحتاج الي قصور مؤتمرات ولا الى برزنتيشن كما قال الكاتب عبد الهادي راجي المجالي في مقاله " جيرة الله" . كل ما تحتاجه هو بيت الشعر رمز الكرم وحماية المظلوم وإغاثة الملهوف وفنجان قهوة عربية أصلية كالتي كانت تصلح عليها القبايل, إضافة الى النوايا الخالصة للنهوض بهذا الكيان الإجتماعي. وإن لم تنتبه العشائر لمثل هذا التحذيرات ستجد نفسها في موقف لا نحبه لها جميعا لآننا جميعا أبناء عشائر مع اختلاف منابتنا وأصولنا لأنني ما سمعت عن شخص وُلد (فقع) كما يقولون بالخليج أي دون اصل.
الأمل معقود بشيوخ عشائرنا الكبار من شمال الأردن الى جنوبه ومن شرقه الى غربه لأن يتنادوا الى إصدار مثل هذا الميثاق.
دمتم ودامت عشائرنا بكل خير ومحبة
alkhatatbeh@hotmail.com