في الأخبار أن الحكومة دعمت القمح خلال الربع الأول من هذه السنة بمبلغ 3ر20 مليون دينار، وأنها ستنفق لهذا الغرض خلال السنة بأكملها 95 مليون دينار قابلة للزيادة.
للوهلة الأولى ظننت أن الحكومة تدعم إنتاج القمح محلياً، فتساءلت: هل من المعقول أن تنفق الحكومة 95 مليون دينار لدعم إنتاج لا يسهم بأكثر من 2% من حاجة الأردن للقمح بحجة أمن غذائي لا وجود له، فمن يعتمد على الاستيراد لتأمين 98% من حاجاته من القمح، لن يتأثر أمنه الغذائي إذا استورد كل احتياجاته من القمح ولكن الحكومة كريمة والفلاح يستاهل.
لكني أدركت للوهلة الثانية أن المقصود هو دعم القمح المستورد، ليصبح سعر الخبز محلياً أقل من ثلث سعره في بلد المنشأ، مما يجعل إنتاج القمح محلياً عملية غير مجدية اقتصادياً، مما دفع الفلاح الأردني إلى التوقف عن زراعة القمح لأن ثمنه المصطنع في السوق لا يغطي كلفة الإنتاج.
القمح الذي نستورده من أميركا مدعوم لصالح المنتج الأميركي، ثم يضاف إليه دعم حكومي لصالح المستهلك المحلي، وهذا الخبز المدعوم مرتين هو الذي قضى على زراعة القمح في الأردن، ولو دعمت الحكومة الأدوية المستوردة كما تدعم الخبز فإن مصانع الأدوية الأردنية ستغلق أبوابها.
نعرف تماماً أن الخبز مادة أساسية يستهلكها الفقراء والعمالة الوافدة، وهـذا يعيدنا إلى الحوارات المطـولة عام 1996، التي أنهاها رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم الكباريتي بإعلان مبدأ الدفـع قبل الرفع، أي تعويض محـدودي الدخل نقـداً، على أن يباع الخبز بأسـعار تغطي الكلفة الحقيقية.
لن نقول أن العائلة التي تمتلك ثلاثة هواتف خلوية تستطيع أن تدفع الثمن الحقيقي للخبز، وأن الحكومة التي تستطيع أن تعـوّم أسعار المحروقات والأدوية تستطيع أن تعـوّم أسعار الخبز، ولكنا نقول أن الحكومة التي تنفق 95 مليون دينار لدعم القمح المستورد تستطيع أن تخصص نصف هذا المبلغ لتعويض أصحاب الدخل المحدود، فتوفر مالاً، وتزيل اختلالاً، وتعيد لزراعة القمح جدواها.
هذه ليسـت دعوة لرفع ثمن الخبز قبل دفع التعويض النقدي، فالدفع قبل الرفع.
الراي