شجاعة البابا واستعادة العراق قدراته اقليميا ودوليا
سارة طالب السهيل
11-03-2021 01:55 AM
على مدار ثلاثة أيام تصدر العراق اهتمامات الرأي العام العربي والعالمي بسبب زيارة بابا الفاتيكان للبلاد التي جرت وسط ترتيبات أمنية شديدة ناجحة للغاية. وجاءت أيضا بحفاوة رسمية وشعبية وتقديرا لرسالته للسلام عكستها ايقاعات الدبكة والزغاريد والتهليل ورقص الاطفال، بينما غطت صورة البابا مساحات شاسعة من الجدران، تعبيرا عن الفرح بقدومه والأمل في زرع السلام بوطن عربي عريق صاحب حضارات ومهد للأديان.
عكست زيارة بابا الفاتيكان، للعراق شجاعة نادرة بتجاوزه مخاطر وباء كورونا، وتخطيه عقبة الاحتجاجات التي اندلعت بمحافظة ذي قار وشهدت وقوع العديد من الضحايا، وهي في نفس الوقت احدى المحطات المهمة في زيارته للعراق.
وصف فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر هذه الزيارة بالتاريخية والشجاعة وانها تحمل رسالة سلام وتضامن ودعم لكل الشعب العراقي خلال سعي البابا لتحقيق حلم الاخوة الانسانية.
بقراءة فضيلة شيخ الازهر لهذه الزيارة، فانها حملت رسائل عديدة ومنها التضامن مع ضحايا العنف والارهاب، وتعزيز قيم المواطنة والاخوة بين مكونات الشعب العراقي مسلمين سنة وشيعة ومسيحين وازيديين وصابئة وغيرهم، وعكس نداء البابا في كلمته الشهيرة " فلتصمت الاسلحة " هذه القيمة من وقف الاقتتال والمصالحة بين اطياف الشعب العراقي ليتذوقوا طعم السلام.
وجاءت صلاة البابا فرنسيس مع ممثلي الاديان، وأسماها بصلاة من أجل ابناء وبنات ابراهيم لتؤكد على مكانة العراق بحضارته وأديانه السماوية وانها قد تكون منطلقا لهذه الاخوة الانسانية والتعايش بين الاديان، في مقابل ذلك اختير السادس من مارس يوماً وطنياً للتسامح والتعايش، عقب لقاء البابا بالمرجع السيستاني.
اثبتت الزيارة نجاح العراق في استباب الامن، رغم ما شهده قبيل الزيارة من سلسلة الهجمات الصاروخية التي استهدفت قاعدة عين الأسد العسكرية، وهو ما يحمل رسالة غاية في الاهمية للمجتمع الدولي مفادها قدرة العراق بحكومته وقيادته في استعادة هيبة الدولة وقدرته استعادة مكانته الاقليمية والدولية ان اراد.
اكتسبت هذه الزيارة أهمية قصوى لدى العراقيين وايضا الرأي العام العالمي كونها اول زيارة للبابا للعراق منذ توليه البابوية، خاصة وانه جاء كما قال حاجا الى مدينة " أور " مسقط رأس نبي الله ابراهيم عليه السلام، ليحقق بذلك تحقيقا عمليا لوثيقة العهد الابراهيمي بين الاديان السماوية الثلاث، وترتب عليها عهود وزيارات من البابا لمصر والمغرب وأبو ظبي وتجلت اصدائها في وثيقة الاخوة الانسانية التي وقعها البابا فرنسيس مع شيخ الازهر عام 2019 وهي تختتم بزيارة أور والحج اليها.
هذا الحج لمدينة أور مسقط نبي الله ابراهيم ابو الانبياء والذي ولد في عهد الملك نمرود بن كنعان، واشتهرت المدينة بمبنى الزقورة وهو معبد للاله انيانا الهة القمر حسب الاساطير السومرية، سوف يفتح الطريق للسياحة الدينية والثقافية للعراق مجددا، ومن ثم انعاش الاقتصاد الوطني، وان كانت هذه المناطق بحاجة لضخ اموال ضخمة لتطويرها وتهيئتها كمزارات سياحية ثقافية ودينية.
حملت أيضا هذه الزيارة دلالات سياسية مهمة، متمثلة في لقائه بالمرجع السيستاني بالنجف وزيارة ضريح الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، مما يعد اعتراف سياسيا ودينيا بمرجعية النجف الشيعية وليست مرجعية قم الايرانية. فالنجف لا تخضع لولاية الفقيه، بجانب رسالة غير مباشرة لايران.
وكانت زيارة البابا رسالة محبة لوقف المليشيات والجماعات المسلحة بالعراق لاستقرار الدولة و اعادة البناء.
فتحت زيارة البابا الامل لمسيحي العراق في اعادة اعمار الكنائس الاثرية المدمرة وتقديم المساعدات المادية والنفسية لها. كما فتحت شهية العراق كله في تعزيز ثقة المجتمع الدولي بالعراق كحكومة ومؤسسات قادرة على انقاذ هذا الوطن من الارهاب والتشظي ان ارادت، واعادة ضخ الاموال العراقية في الوطن الذي يعد ثاني احتياط نفط في العالم ومن اغنى دول العالم في النفط والزراعة والمياه وثروات حيوانية وعقول وعلماء ومعادن وذهب وتنوع جغرافي وديني ومصدر سياحي تاريخي، فها هو العراق يستطيع ان يرتكز على ما اعطاه الله من نعم ان اراد ان يعيد المجد العظيم الذي خلده التاريخ القديم لهذه المنطقة.