سيدة تدير تجارة محدودة، ورثتها عن أبيها، في أحد الشوارع التي تمتد من وسط عمان إلى أحد أطرافها. تجلس في مكتبها كل يوم بكل أمان واطمئنان، إلى أن كان ذلك اليوم عندما فاجأها رجل تفوح منه رائحة الخمرة ويترنح يمنة ويسرة. ولما أن كانت السيدة لوحدها فقد أرعبها منظر الرجل وزادها خوفاً تهديده لها إن لم تدفع له مبلغاً من المال فإنه سيلحق بها الأذى.
تكررت الزيارة، وتكرر معها الدفع درءاً للخطر وخوفاً من تهديد الزائر للمرأة بأنه سوف يلحق بنفسه ضرراً ويتهمها بذلك، ويدخلها كما يقول في مشكلة.
قبل أيام اتصلت بي السيدة، وكان صوتها مرعوباً، شكت لي الرجل، وأنه داهمها في مكتبها ولم تصده إلا بعد أن أخذ منها خاوة (خمسة دنانير).
قلت لها لماذا لا تشتكيه للشرطة. قالت لقد هددني وهدد آخرين إن نحن أوصلنا شكوانا للشرطة فإنه سيزيد من ترويعنا. وفعلاً هذا ما حدث مع غيري، إذ استدعى أحد الجيران الشرطة، إلا أنهم طلبوا أن يُقدّم شكوى. خاف المعتدى عليه والشرطة لم تحرك ساكناً. تجاهل الرجل الحادثة، واستمر المخمور في تصرفاته.
إن اشتكينا لا "نخلص"، وإن لم نشتكِ لا "نخلص". فماذا علينا أن نفعل. إن سلمنا المخمور للشرطة سيخرج (كما يقول) وعندها سيكون الحساب عسيراً بينه وبين ضحاياه، ما العمل نشتكي لمين؟
حدثني، قبل سنوات أحد ضباط الأمن العام وكان يومها قد تسلّم لتوّه وظيفة في أحد السجون؛ قائلاً إنه اكتشف أن لديه شخصاً قد دخل السجن ثماني وسبعين مرّة، ذلك كان لحينها، والله أعلم كم بلغ عدد المرات حتى يومنا هذا.
بالفعل من الملاحظ أن المنحرف يدخل السجن "سكّيناً" كما يقولون وخرج "منشاراً". إذن لابد من وضع ضوابط وآليات وعقوبات رادعة، وإلا فإن الفوضى التي نراها قد بدأت تعم، سوف تصبح وباءاً يصعب التعامل معه.
أنا اعرف أن الدائرة الأمنية في الأردن هي في ولاية شاب نشط ومخلص ويتعامل مع الأمور والقضايا بمهنية عالية، وأن حوله من الرجال الذين يعتمد عليهم، ولكن ما الحيلة أمام ما نراه من إساءات طالت، في بعض الأحيان، ممتلكات الأمن العام ذاته.
الأمر لا يُستهان به، فالانحرافات زادت عن حدّها، وأساليب الردع لم تعد قادرة على مواجهة التحديات بكل فاعلية، والعابثون بالأمن يتكاثرون، ويبدو أنهم لم يعودوا يخشون القانون، فإن أنت خاطبت أحدهم بحزم، أو هددته بأنك ستلجأ للسلطة فسرعان ما يرد عليك: بكل صلافة، أرجو اذهب واشتكي لمن تريد.
فهل صحيح أننا لم نعد ندري "لمين نشتكي".