منذ سنوات ونحن نتحدث عن الإصلاح السياسي على أنه جزء من عملية الإصلاح الشامل، وفي الحقيقة أننا لم نتوقف عند ذلك العنوان للعملية التي نسعى من خلالها إلى تعزيز وتطوير النهج الديموقراطي في البلاد، فالإصلاح السياسي يحتاج إلى تشريعات جديدة من شأنها أن تعالج خللا في التكوين الأساسي للأنموذج الديموقراطي القائم، وتلك إشكالية ليست موجودة في بلد مثل الأردن يستند أنموذجه إلى الدستور، وهو قابل بطبيعته للتعديل والتطوير وتحسين الأداء على مستوى السلطات والمؤسسات، بما يتوافق مع حاجة المجتمع والدولة لحالة تليق بمكانتها السياسية على المستويين الداخلي والخارجي.
أتفق تماماً مع ما ذهب إليه دولة السيد فيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان في تصريحاته الصحفية مؤخرا من أننا بحاجة إلى تنمية سياسية وليس إلى إصلاح سياسي، ذلك أنه قد بنى موقفه على تحليل موضوعي لتجربة الدولة التي تحتفل بمئويتها الأولى، ولطبيعة المجتمع الأردني الذي تحكمه ثقافته العشائرية، وينتخب ممثليه في البرلمان وفقا لتلك الثقافة، وذلك أمر لا يمنع الكتل البرلمانية التي دعاها جلالة الملك مرات عديدة إلى تبني برامج وطنية، وتشكل نواة للأحزاب من أن تحدث نوعاً من التطور أو التنمية السياسية، ولا السعي في اتجاه تعديلات على قانون انتخاب يزيد من فرص الأحزاب كي تصل إلى قبة البرلمان.
رئيس مجلس الأعيان تناول في حديثه الجوهر والمضمون وليس الشكل والمظهر لأن غاية التنمية السياسية هي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وترسيخ قيم العدالة والمساواة، والمواطنة الصالحة، والانتماء للدولة، والولاء للنظام، بما يضمن القدرة على الثبات والقوة والتقدم إلى الأمام في القطاعات جميعها، والخروج من الأزمات مهما كان نوعها.
التحدي الأكبر الذي نواجهه هو التحدي الاقتصادي بلا شك، وهو ينعكس بالطبع على حياة الناس بصورة مباشرة، ومن هذه الزاوية ينظر إلى التنمية السياسية التي تحقق أنموذجا ديموقراطيا سليما على أنها أداة فاعلة من أدوات معالجة التحديات عندما تعمل المؤسسات وفق معايير الحوكمة التي تضمن التشاركية والشفافية والمساءلة، وتلك المعايير ليست بعيدة عن معايير الديموقراطية التي نطمح إليها!