ماذا بعد شهور التفاوض الأربعة؟!
ياسر زعاتره
03-05-2010 07:14 AM
لم نكن نخط في الرمل عندما كنا نقول إنهم سيعودون إلى التفاوض أيا يكن الموقف الإسرائيلي ، بل هو التحليل البديهي لسلوك قوم لم يخفوا في يوم من الأيام رؤيتهم ولا برنامجهم ، فالذين فاوضوا أولمرت ثلاث سنوات دون توقف بينما كانت يلتهم المزيد من أراضي الضفة ، ويمارس المزيد من التهويد لمدينة القدس ، لم يكونوا ليشترطوا على نتنياهو وقف الاستيطان رغم علمهم أنه أكثر تشددا من سلفه ، لكنها الورطة التي أوقعهم فيها الرئيس الأمريكي عندما تبنى ذلك الشرط من أجل عملية سياسية ذات جدوى: هو الذي صدّق أن بوسعه فرض رأيه على الزعيم الإسرائيلي في ظل ملامح تغير ما في المزاج الصهيوني داخل الولايات المتحدة.
عندما تراجع أوباما لم يكن بوسع الذي صعدوا إلى الشجرة أن ينزلوا عنها بعدما صدقوا أنفسهم وباعوا الموقف على الجماهير بوصفه تمسكا بالثوابت ، فكان لا بد من البحث عن مرجعيات أخرى تبرر العودة غير المظفرة ، وهنا كانت الضغوط الأمريكية على محور الاعتدال لكي يوفر بدوره السلم ، هو الذي دأب على ذلك منذ سنوات ، ونتذكر أن التمديد للرئيس الفلسطيني بعد انتهاء ولايته قد جاء بنفس الطريقة (بطلب من وزراء خارجية جامعة الدول العربية).
يضاف إلى ذلك بالطبع موقف منظمة التحرير التي أصبحت جزءا من ممتلكات السلطة بعد مؤتمر فتح (تحت الاحتلال) ، وبعد ملء المقاعد الشاغرة في لجنتها التنفيذية (أعني المنظمة) بتلك الطريقة الكاريكاتورية التي تابعها الناس في رام الله.
في هذا السياق ، نعلم ويعلم الجميع أن الذين عارضوا المقاومة عندما أجمع عليها كل الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى ، وخاض كبيرهم الانتخابات على أساس برنامج رفض المقاومة ، لم يكونوا ليغيروا سلوكهم ، مع أن ترشيحه وفوزه كان بمرجعية عربية ودولية أيضا ، حيث لم ينافسه أحد ، مع أن استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بشهور ، حين كان ياسر عرفات لا يزال حيا لم تكن تمنحه نسبة تذكر ، بينما كانت فتح وكوادرها يقولون فيه ما يعلمه الجميع أيضا.
والخلاصة ، أن المرجعية العربية والدولية التي منحت هذا الفريق حق السيطرة على حركة فتح ومنظمة التحرير ، لا زالت تفعل فعلها كلما اقتضت الحاجة ، وهو ما كان فيما خص قرار العودة إلى المفاوضات "غير المباشرة" لمدة أربعة أشهر ، سواء القرار أم القرار الحالي الذي صدر أمس الاول السبت عما يعرف بلجنة المتابعة العربية.
يدرك العرب والعجم والسند والهند أن تلك الشهور الأربعة ، سواء حفلت بالمفاوضات غير المباشرة أم المباشرة ، بل حتى لو شهدت مؤتمرا متواصلا على غرار كامب ديفيد ، لن تؤدي إلى صفقة نهائية إلا إذا قدم الطرف الفلسطيني لنظيره الصهيوني كل ما يحلم به على صعيد الحدود والأمن والسيادة والمستوطنات ، والأهم القدس ، وهو ما لن يكون سهلا في ظل الظروف القائمة ، لا سيما أن في الساحة خصما كبيرا (حماس) لا يمكن المضي في برنامج تحجيمه والمزايدة عليه في ظل صفقة من هذا النوع. هذا بفرض أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يسكت عليها ، الأمر الذي يبدو مستحيلا في واقع الحال.
في ضوء ذلك ، يمكن القول إن قرار العودة إلى المفاوضات لن يكون لمدة أربعة أشهر كما قيل ، بل لأمد مفتوح ، ومرة أخرى بغطاء عربي إذا لزم الأمر ، وقد يتحول غير المباشر إلى مباشر ، ربما مع حوافز من النوع المعروف (تخفيف حواجز ، إفراج عن معتقلين ، نقل الصلاحيات الأمنية للسلطة في مدن جديدة).
هذا هو المسار الطبيعي لسلطة سيكون عليها أن تختط للشعب مسارا آخر إذا أعلنت فشل المفاوضات ، وهي تبعا لذلك لن تعلن ، وستواصل التفاوض من جهة ، فيما تمضي في اتجاه برنامج السلطة ـ الدولة أو السلام الاقتصادي آملة أن يقتنع الناس بالوضع الجديد "قليل الأعباء" من جهة أخرى ، لكن ذلك لن يكون ممكنا إلى أمد بعيد ، ليس فقط لأن الفريق المستفيد من التحسن لن يكون كبيرا ، بل أيضا لأن الشعب لن يوافق على صفقة هي أشبه بصفقة روابط القرى في السبعينات (الحياة السهلة نسبيا مقابل نسيان التحرير والكرامة) ، أما في حال تورط القوم في صفقة نهائية بائسة فستعرف الجماهير كيف ترد عليهم وعلى الاحتلال في آن.
الدستور